إحياء العقلانية الإسلامية.. ومنع التكفير... وإرساء دعائم الدولة المدنية: الأهرام المسائي تفتح ملفات إصلاح الفكر الديني إيمانا منها بضرورة إعمال العقل وإطلاق الاجتهاد إلي مداه الواسع, دعوة منها إلي وسطية دينية إسلامية ومسيحية, ويقينا منها أن إصلاح الفكر الديني يعد الخطوة الأولي علي طريق المواطنة والحرية والإسهام في الحضارة الإنسانية. الاعتراف بأن الفكر الديني انجاز بشري قابل للصواب والخطأ ييسر مهمة إصلاح الفكر الديني كما يؤكد الدكتور جابر عصفور المفكر المصري ورئيس المركز القومي للترجمة والذي حدد مثلث إصلاح الفكر الديني في ثلاثة أمور هي إحياء العقلانية الإسلامية, ومنع التكفير, وإرساء دعائم الدولة المدنية. وأكد دكتور عصفور أن إحياء العقلانية الإسلامية يبدأ من مناخ ديمقراطي يقبل كل التيارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وليس الدينية فقط, وأن الشعب المصري يحتاج لإرساء قواعد الدولة المدنية الحديثة التي تسمح لكل الأديان بالوجود وتحمي شعائرها دون تمييز. فإلي نص الحوار.... *ماهو تعريفك لإصلاح الفكر الديني الذي ينادي به البعض الآن؟ ** دعنا نتعرف أولا علي معني الفكر الديني أو الخطاب الديني وهو اجتهاد البشر حول النصوص الدينية, ومن ثم فهو إنجاز فكري بشري من حقنا أن نتأمله وأن نضعه موضع المساءلة وأن ننقذه لأنه فكر بشري. وبما أنه كذلك فإنه يكون فكرا نسبيا بالضرورة قابلا للخطأ والصواب. هذا الفكر الأن في حالة تخشب وتصلب ولم يعد قادرا علي الإجابة عن الأسئلة المعاصرة التي يطرحها العالم علي المسلم الآن. وللأسف لايملك هذا الفكر في أغلب الحالات إلا إجابات قليلة ولاتتناسب مع هذا العصر, وهذه الإجابات كانت لها بالتأكيد أهمية في القرنين الثالث والرابع الهجريين لكنها لم يكن لها هذه الأهمية الآن. ومن هنا ظهرت الهوة الكبيرة بين الفكر الديني وواقع الحياة المعاصرة بكل مافيها من تعقيد ووسائل اتصال جعلت من الكوكب الأرضي قرية صغيرة. * وكيف نصلح هذا الفكر؟ ** أن نرفعه إلي آفاق العصر, ليس بالتيارات السائدة أو الغالبة لعوامل كثيرة هي تيارات محافظة, وهي تعتمد علي النقل أكثر من العقل وهذا لايعني التقليل من دور النقل في صالح العقل, بالعكس فالآن لم يعد هناك توازن بين العقل والنقل. في تقديري أنه لابد من القيام بخطوات ثلاث رئيسية لإصلاح الفكر الديني وتزويده بالقوة التي تجعله يزدهر مرة أخري... نبدأ أولا بإعادة العقلانية الإسلامية, فالحضارة الإسلامية عندما كانت التيارات العقلانية مسموحا لها بالحركة وحرية الاجتهاد وصلت لأرقي فترات ازدهارها. وعلي هذا الأساس اعتقد أنه من الأفضل البدء من حيث انتهت العقلانية الإسلامية. ومنع التكفير, وإرساء دعائم الدولة المدنية, بهذه الخطوات يمكن للفكر الديني أن ينصلح حاله إلي أبعد حد. ومن هنا نبدأ بتوسيع باب الاجتهاد ليشمل قضايا كثيرة جدا, فمن غير المعقول أننا في القرن الحادي والعشرين ونفاضل ونجادل في الأفضلية بين الحجاب والنقاب وكأننا اختزلنا المرأة في كونها عورة حولها قطعة قماش, ومعاملة المرأة علي أنها عورة هو امتهان لها وفي تقديري أنه أيضا امتهان للإسلام. * هل ظهور التيارات العقلانية مرتبط تاريخيا بإصلاح الفكر الديني؟ ** عندما نتحدث عن التيارات العقلانية نقصد بعض التيارات مثل المعتزلة الذين جعلوا العقل هو حجة الله علي الإنسان, والذين كانوا يوصفون بأنهم اهل العدل والتوحيد, العدل بالمعني السياسي والديني والاجتماعي والتوحيد بتنزيه الله عن أن يكون له شبيه آو شريك وذلك كله من منطلق الآية ليس كمثله شيء. وكان إلي جوار المعتزلة فلاسفة حاول معظمهم التوفيق بين العلم والدين أو الفلسفة والدين. ابتداء من الفيلسوف الكندي في البصرة وانتهاء بابن رشد الذي ألف كتابه الشهير فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال. ونحن نريد أن نستعيد العقلانية العربية, فالفكر في المنطقة العربية الإسلامية لم ينحدر إلا بعد أن سيطرت المذاهب المعادية للعقل والتي تؤمن آيمانا حرفيا بالنص علي ماهو عليه دون إعمال العقل وأدت إلي إغلاق باب الاجتهاد. * كيف بدأت خطوات إصلاح الفكر الديني في العصر الحديث؟ ** النهضة الفكرية في العصر الحديث لم تقم إلا بعد بروز مفكرين مستنيرين مثل جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده, فقد أحيا الأفغاني الفلسفة, والشيخ محمد عبده أحيا التراث الاعتزالي العقلاني وكان أقرب في تفكيره إلي المعتزلة, وأنا اعتبره من أول من دعا إلي إحياء الفكر الديني في العصر الحديث. ونحن نواجه الآن بحركة مخيفة, حركة الاعتداء علي العقلانية الإسلامية بعد أن تغلبت اتجاهات اصولية نصوصية جامدة. ولكي نزدهر فكريا ويزدهر الفكر الديني مرة أخري لابد أن نفعل مثلما فعل الإمام محمد عبده بأن نحيي التيارات العقلانية في الإسلام, وإحياء العقلانية في الإسلام ينبغي أن يكون في مناخ ديمقراطي يشجع مختلف الاتجاهات الفكرية في المجتمع أو علي الاقل يحمي حريتها في مزاولة نشاطها, وليس الحرية بالمعني الديني فقط لكن بالمعني السياسي والاجتماعي والاقتصادي وحتي المعني الأدبي الثقافي. * كيف يحدث ذلك؟ ** إحياء العقلانية الإسلامية يبدأ من حيث انتهت تلك التيارات مع محنة ابن رشد عندما تكالب الفقهاء عليه وأوغروا صدر الخليفة الأندلسي عليه فنكبه وأسرته لفترة من الفترات ثم أفرج عنه. إذن يجب ان نبدأ من حيث أنتهي ابن رشد أي لانتوقف عنه بل نسير بعده بالفكر إلي عصرنا الحالي, فما وصل إليه ابن رشد كان صالحا لزمانه وعلينا أن نجتهد كما كان يقول بعض الفلاسفة ومنهم الكندي حسب عادة هذا الزمان وسنة أهله أي علي طبيعة العصر ومتطلباته. * ماخطورة التكفير علي الاجتهاد الفكري؟ ** يجب أن نقضي قضاء مبرما علي جرثومة التكفير, فليس من حق أحد أن يكفر أحدا وهذا في آداب الإسلام من كفر مسلما فقد باء بها أي يكون هو الكافر وليس المتهم بالكفر. فما أسهل التكفير الآن لمجرد الاختلاف في الرأي. وهنا في الفكر الديني لمجرد الاختلاف تكون التهمة التكفير اما في الاختلاف السياسي يكون الوجه الاخر للتكفير التخوين والاتهام بالعمالة. ومن هنا علينا أن نقود حملة ضخمة لترك الناس تفكر, ولدينا في الإسلام قواعد كثيرة جدا للتفكير وجادلهم بالتي هي أحسن, من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. والمنع الشديد للتكفير يجب أن يأخذ أشكالا واسعة منها المحاسبة, أي من يكفر مسلما يجب أن يكون هناك نص قانوني يعاقبه, مثلما يحدث في قضايا السب والقذف, أي معاملة تهمة التكفير باعتبارها سبا وقذفا يطبق عليها القانون, حتي يمتنع هؤلاء المكفراتية من التكفير, فالتكفير سلاح إرهابي يخاف منه من يتهم بالتكفير. * كيف يكون تأكيد دعائم الدولة المدنية الحديثة لمحاربة الفكر المتطرف؟ ** تأكيد دعائم الدولة المدنية الحديثة يعني احترام كل اجتهادات تيارات الفكر الديني في كل الأديان, فما يميز الدولة المدنية الحديثة أنها تسمح لكل الأديان بالوجود وتحمي شعائرها بشكل لايميز بين دين ودين. فالأزمة التي تواجه الفكر الديني هي جزء من الأزمة العامة في الحياة. * هل هناك علاقة بين الإصلاح السياسي وإصلاح الفكر الديني؟ ** الفكر الديني يكون متخلفا عندما يشيع الاستبداد السياسي, وكأنه جناحان مرتبطان, يتخلف الفكر الديني فيشيع الاستبداد السياسي ولو ازدهر الفكر الديني تزدهر الحياة السياسية وتشيع فيه العقلانية وإعمال العقل وقبول التعددية في التفكير, ولو وجدت التعددية في الفكر السياسي هذا يعني أن هناك شوري سياسية أو فكرا ديمقراطيا. لكن الديكتاتورية السياسية تعني أن هناك صوتا واحدا له القرار بشكل مطلق, من هنا يجب القضاء علي الرباط الوثيق الدي أسميه الرباط الشيطاني بين استبداد الفكر الديني واستبداد الفكر السياسي. وكلاهما يدعم الآخر كما قال المفكرون الملك بالدين يقوي والدين بالملك يبقي. وأن جزءا كبيرا من مشكلة التخلف الديني في مصر سببها قضية الفساد السياسي, لأنك لم تعد تسمح بتعددية سياسية في المجتمع ولو وجدت التعددية ماحدث التطرف الديني وما طغت تلك الجماعات مثل جماعة الإخوان المسلمين وهي جماعة طاغية جدا علي الساحة, ففي الفترة التي تأسست فيها ولمدة عشرين سنة لم تكن لها قوة ولا انتشار ولا تأثير في المجتمع, والسبب أن الليبرالية الفكرية كانت سائدة في هذا العصر وكان تأثير جماعة الإخوان المسلمين محدودا في فئة أنصاف المتعلمين. لكن الآن للأسف أصبحت الجماعة تضم كوادر من أساتذة جامعات ومتعلمين وعلماء كبار مؤمنين بأفكار ماأنزل الله بها من سلطان, فكيف لجماعة دينية أن يكون شعارها سيفين متصالبين, وهذا يعني أن العنف في مبادئها كشعار, وهي جماعة تهدم مبدأ المواطنة لأنها تجعل الانتماء الأول للدين وتنفي الانتماء للوطن. فلو قلنا إن العقل يقول أنا مصري أولا وثانيا مسلم يمكن أن أحارب مسلما آخر من دولة أخري لو أراد أن يعتدي علي أرضي أما هذه الجماعة فتهدم مبدأ الانتماء للوطن رغم أن شعار الفترة التي نشأت فيها الجماعة وكان شعار ثورة1919 الوحدة الوطنية الدين لله والوطن للجميع * مادور وسائل الاعلام والفضائيات الدينية في إصلاح الفكر الديني؟ ** من المفترض أن تكون وسائل الاتصال الحديثة والفضائيات من أحدث منجزات العصر ووسيلة للانفتاح علي العالم, لكن الغريب أن يستغلها البعض في نشر أكثر أفكار العصر تخلفا, فأصبحت الفضائيات الدينية تلعب كتجارة وسياسة سواء علي مستوي الدول أو المجموعات. وأنا أتصور أن اصلاح الفكر الديني يحتاج إلي قوة مزدوجة متسلطة ومتسلحة بالعلم الديني وقوة تواجه مانسميه بالتسلط الديني والتسلط السياسي. * هل هناك فتنة طائفية تحدث في مصر؟ ** بالتأكيد هناك فتنة طائفية, أولا لأن حقوق المواطنة, بعيدا عن الأديان, مهدرة وليس بين مسلمين وأقباط لكنها مهدرة بين المسلمين والمسلمين. فأين هي الحقوق العادلة للمواطن المصري؟ فمن المفترض أن حقوق المواطنة تعني المسكن والمأكل والعلاج والتعليم السليم والدخل الكريم الثابت للأسرة كحق للمواطن علي الوطن, والمصري لايجد كل هذه الأمور. وهذه مانسميها بالحقوق الانسانية للمسلم أو المسيحي المصري, وكلاهما محروم من أبسط حقوق المواطنة. * هل الخطاب الديني المتشدد يعمق الفتنة بين المسلمين والمسيحيين في مصر؟ ** بالتأكيد, لكن من الحق والإنصاف أن نقول إن التطرف الديني الإسلامي هو الذي بدأ, وبالتالي بدأ يؤثر علي الأقباط, كل فعل له رد فعل مساو له في القوة ومخالف له في الاتجاه, وهذا رد فعل التيار الاسلامي المتطرف خروج تيار ديني مسيحي متطرف. * ماذا عن إصلاح مناهج التربية الدينية في المدارس؟ ** المناهج الدينية الإسلامية والمسيحية تحتاج إلي تعديل جذري. * وماذا عن إصلاح التعليم الأزهري؟ ** التعليم الأزهري والكليات الدينية تأخذ الطالب الأقل في نسبة الدرجات, أي أن التعليم الديني يدخله نوعية رديئة من الطلاب تخرج نوعية رديئة من الخريجين, فماذا تتوقع أن يكون نتاج هذه العقول, إذا كان المدخل رديئا لابد أن يكون المخرج رديئا. لكن هذه الأزمة ليست مرتبطة بالتعليم الديني فقط لكن بالتعليم بأكمله, يجب أن يعاد النظر في سياسات التعليم بشكل جذري, فالتعليم أصبح مسئولا عن التخلف, والمثل الذي يجب أن نذكره دائما هي دولة ماليزيا عندما قام مهاتير محمد بتوجيه ميزانية الدولة إلي إصلاح التعليم بعد حوالي13 سنة بدأت الحركة تدب وأصبحت واحدة من النمور الآسيوية. * ماالدور المنوط بوزارة الأوقاف في هذا المجال؟ ** أن تفعل مثلما كان يفعل طه حسين عندما كان وزيرا للمعارف العمومية كان يدرب المدرسين كل فترة لتطوير أفكارهم ومعلوماتهم, خصوصا وأن وزير الأوقاف الدكتور حمدي زقزوق رجل علم ومثقف فيجب أن تكون هناك دورات لتثقيف وتطوير الدعاة كل فترة بحيث يعرفون الجديد في العالم, وأن يكون هناك تنوير. لكن للأسف هؤلاء الدعاة يتخرجون من الجامعات الأزهرية وهم أصلا غير مجتهدين فلا يجتهدوا للمعرفة والقراءة والبحث وتنتهي صلتهم بالمعرفة بعد التخرج من الجامعة ويبقون كما هم دون تطور, فأصبحوا يبثون خطب جمعة تزيد الناس تخلفا. * بماذا تفسر لجوء المواطن إلي المؤسسة الدينية عند حدوث مشكلة أطرافها مسلم ومسيحي؟ ** هذه خيانة وطنية, لأنه عندما تلجأ إلي المسجد أو الكنيسة فإنك تخون العقد الاجتماعي للمواطنة, لأن الدولة هي المسئولة عن مواطنيها وليس الكنيسة أو المسجد, وحدوث هذا نتاج لغياب مفهوم المواطنة ونشر فكرة أن الوطن هو الدين مثلما تفعل جماعة الإخوان المسلمين. ويجب أن يكون الولاء الأول لمصر وليس للدين, فلو مثلا إيران دخلت لبنان ماالمطلوب من المواطن المسلم اللبناني هل يتركهم أم يحاربهم؟ عليه أن يدافع عن أرضه فالمسلم الذي يعتدي يحارب. * ألا يدفع هذا بالتفكير في أن الكنيسة أصبحت دولة داخل الدولة؟ ** الكنيسة أوا لمسجد مؤسسة دينية ليس لها علاقة بالدولة, والمواطن يلجأ لها عندما تكون الدولة ضعيفة تفرط في حقوقها. * مادور الوسطية في إصلاح الخطاب الديني؟ ** الوسطية لها الدور الأكبر ونشرها يتطلب نشر الإسلام الحقيقي والتفكير الديني السليم, ويجب أن نميز أولا بين رجال الدين الحقيقيين الذين يخرجون علي الفضائيات للدعوة وبين الدعاة الجدد أو المتشددين. لماذا نترك رجال دين مستنيرين وتعلي الفضائيات من أشباه رجال دين نصابين؟ وأنا أشاهد برامج تستضيف شيخا يسمونه داعية جديد. لماذا نفتح النافذة لأفراد يقدمون أفكارا مغلوطة؟ لقد حول الدعاة الجدد الدعوة إلي تجارة وسياسة, وأجورهم أصبحت فلكية مثل الفنانين, هذا يحصل علي مليون وآخر يحصل علي2 مليون, هل هذا إسلام أم تجارة؟ * ماذا تقصد بالأغراض السياسية للدعاة الجدد؟ ** الأغراض السياسية مثل أهداف الدولة الشيعية ايران لنشر مذهبهم وتوسيع نفوذهم الشيعي, فهي تستخدم دعاة للتشكيك في المذهب السني. أو مايحدث من استعانة أصحاب الفكر الوهابي بدعاة سلفيين يستخدمون الفضائيات لمحاربة الفكر العقلاني الإسلامي.