الذهب يواصل ارتفاعه.. وعيار 21 يسجل 3725 جنيهاً    .للمسافرين.. سعر الريال السعودي أمام الجنيه الخميس 24 أكتوبر 2024    الأخضر بكام.. سعر الدولار اليوم في البنوك    بعد الانخفاض الأخير.. أسعار الفراخ وكرتونة البيض في الشرقية اليوم الخميس 24 أكتوبر 2024    بعد غزة ولبنان، مبعوث أممي يلمح إلى اتساع رقعة الصراع الإقليمي لدولة عربية جديدة    وزير دفاع أمريكا يُطالب إسرائيل بعدم التعرض للجيش اللبناني و"اليونيفيل"    قوات الاحتلال تشن 11 غارة على بيروت    أستون فيلا وليفربول بالعلامة الكاملة، ترتيب دوري أبطال أوروبا بعد الجولة الثالثة    موعد مباراة الأهلي والزمالك في نهائي كأس السوبر المصري والقنوات الناقلة    لاعب الزمالك السابق يكشف ملامح تشكيل الفريق أمام الأهلي    بشرى سارة من الصحة بشأن قرار العلاج على نفقة الدولة (رقم ضخم في يوم واحد)    موعد مباراة ليفربول القادمة أمام آرسنال في الدوري الإنجليزي    برشلونة ضد البايرن.. كومباني: الخسارة كبيرة جدا.. والبارسا تفوق علينا بجودته    لا توجد ضحايا.. الطيران الأمريكي البريطاني يستهدف مطار الحديدة باليمن    حبس تشكيل عصابي تخصص في سرقة المواطنين بمدينة نصر    علي الحجار يطرب جمهور مهرجان الموسيقى العربية    تبدأ من 40 دينارا.. أسعار تذاكر حفل أصالة نصري في الكويت    رئيس اللجنة العلمية لمهرجان الموسيقى العربية: "نعد له قبل موعده ب 6 أشهر"    خالد الجندى: سيدنا النبى كان يضع التدابير الاحترازية لأى قضية    فصائل عراقية فى العراق تعلن تنفيذ عملية نوعية فى الجولان المحتل    تصل إلى 50 ألف دولار.. تعرف على قيمة جوائز مسابقة الأفلام الطويلة ب«الجونة السينمائي»    تعرف على موعد عرض مسلسل برغم القانون (الحلقة الأخيرة)    محافظ بورسعيد للمعلمين المحالين للمعاش: رسالتكم لم تنتهِ.. وأبناؤكم وأحفادكم أمانة فى أيديكم    3 عقوبات تنتظرهم.. وليد صلاح يكشف الحكم الذي ينتظر ثلاثي الزمالك بالإمارات (فيديو)    وفاة و49 إصابة خطيرة.. اتهام ماكدونالدز أمريكا بتفشي مرض في الوجبات    ارتدوا الملابس الخريفية.. تحذير عاجل من الأرصاد بشأن طقس الأيام المقبلة    فلسطين.. قصف على محيط مستشفى كمال عدوان في مخيم جباليا شمال غزة    ناصر القصبي يغازل فتاة روبوت في ثاني حلقات "Arabs Got Talent" (صور وفيديو)    انقلاب مروع على طريق "القاهرة-الفيوم" يودي بحياة شخصين ويصيب 7 آخرين    ضبط المتهم بواقعة سرقة قرط طفلة بالشرقية    القبض على سائقين قتلا شخصًا في عين شمس    منها إجبارهم على شرب مياه ملوّثة .. انتهاكات جديدة بحق المعتقلين بسجن برج العرب    «اتصالات النواب» توضح حقيقة رفع أسعار خدمات الإنترنت    الذكرى ال57 للقوات البحرية| الفريق أشرف عطوة: نسعى دائما لتطوير منظومة التسليح العسكري    حزب مستقبل وطن بالأقصر ينظم قافلة للكشف عن أمراض السكر بمنطقة الكرنك    محمد عبدالله: دوافع الزمالك أكبر للفوز بالسوبر المصري    أكروباتية خرافية من هالاند.. سيتي يقسو على سبارتا براج بخماسية في دوري أبطال أوروبا    نشرة التوك شو| موعد المراجعة الرابعة لصندوق النقد الدولي.. وحقيقة رفع أسعار خدمات الإنترنت    أحمد الجمال يكتب: المسيرة والسنوار    قصة عجيبة.. سيدة تدعو على أولادها فماتوا.. والإفتاء تحذر الأمهات من ساعة الإجابة    ما هي بدائل الشبكة الذهب؟.. الإفتاء توضح للمقبلين على الزواج    أذكار النوم: راحة البال والطمأنينة الروحية قبل الاستغراق في النوم    «شكرا أخي الرئيس».. كل الأجيال لن تنسى فضله    حريق هائل يدمر شقة المطرب نادر أبو الليف بحدائق الأهرام    الأكاديمية الطبية العسكرية تنظّم المؤتمر السنوى ل«الطب النفسي»    مفاجأة بشأن موعد محاكمة ثلاثي الزمالك في الإمارات    «جذع نخلة وماسورة مياه» وسيلة الوصول لمدارس 3 عزب بأسيوط    إطلاق المرحلة الأولى لمبادرة «تشجير المدارس»    جامعة الأزهر تكشف حقيقة شكاوى الطلاب من الوجبات الغذائية    محافظ بورسعيد: نعمل سويًا مع الجامعة لرفع كفاءة الملاعب وتطويرها    تهنئة بقدوم شهر جمادى الأولى 1446: فرصة للتوبة والدعاء والبركة    «آركين».. «كل نهاية بداية جديدة»    عاجل - "أفضل خيار لشراء سيارة سيدان أوتوماتيك لعام 2024 بسعر 250 ألف"    تخلق عالمًا خاص.. 3 أبراج تدعم شريكاتها أثناء الحمل    «المصريين الأحرار»: لا يوجد نظام انتخابي مثالي.. والقوائم تتجنب جولات الإعادة    وزير الصحة يبحث دعم خدمات الصحة الإنجابية مع إحدى الشركات الرائدة عالميا    لتغيبه عن العمل.. محافظ البحيرة تقرر إقالة مدير الوحدة الصحية بقرية ديبونو    محافظ المنيا: تقديم خدمات طبية ل 1168 مواطناً خلال قافلة بسمالوط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
نشر في الأخبار يوم 24 - 06 - 2017

خرجت من الغرفة وسرت في طريقي الذي جئت منه فلم أفلح.. عدت إلي الغرفة وقمت بمحاولة ثانية وثالثة ورابعة.. ولا أبالغ مطلقا.. في كل مرة أخرج من الغرفة أعود إليها من جديد
سافرت إلي تونس في شتاء عام 2012 بعد ثورة الياسمين بنحو عام للمشاركة في أحد المهرجانات الثقافية.. لم تكن وجهتي إلي العاصمة.. كان المهرجان في ولاية الكاف في أقصي الشمال التونسي.. لم أكن قد سمعت بهذه الولاية من قبل وكل ما استطعت الحصول عليه من معلومات أنها منطقة يكسوها الجليد في الشتاء وتشبه سويسرا الأوروبية.
من مطار العاصمة التونسية.. وبعد السلام والترحيب المعتاد ركبت بجوار السائق في طريقي إلي وجهتنا.. كانت الساعة تقترب من الرابعة عصرا حسب التوقيت المحلي.. خرجنا من العاصمة إلي طريق تمتد الخضرة علي جانبيه.. مراعٍ طبيعية من صنع الخالق سبحانه وتعالي.. كانت السيارة تنهب الطريق بسرعة وبعد مسيرة لأكثر من ساعتين وربع توقف السائق في نقطة تفتيش تتبع الدرك التونسي في منطقة صحراوية علي الطريق.. نزل السائق وتحدث مع الضابط الشاب الذي طلب منه عدم التوقف علي الطريق أيا كان السبب وأن يسرع الخطي حتي نصل إلي مقصدنا بدون مشاكل.
الطريق يشبه إلي حد كبير الطرق غير المأهولة.. لا تشاهد فيه سوي بيوت ريفية صغيرة ورعاة الأغنام فنحن خارج العاصمة بمبانيها الشاهقة وشوارعها الفسيحة وماركات السيارات الفخمة.. هنا لا وجود لكل هذا.. جبال تكسوها الخضرة علي جانبي الطريق وبعضها يميل إلي الاصفرار.. الحياة هنا تبدو صعبة إلي حد ما.
شعرت بضيق السائق القليل الكلام فسألته عما قاله الضابط الذي سمعت حديثه لقربي منهما ورغم اللهجة السريعة كنت علي يقين أن شيئا ما أزعجه.. نظر السائق لي وهو يطلب مني الا أقلق فأنا في بلدي الثاني ومسئوليته أن يصل بي إلي المكان المطلوب.
واصلنا سيرنا وتوقفت السيارة علي جانب الطريق وكنا قد قطعنا مسافة كبيرة.. نزلت أتحدث مع السائق الطيب الذي تعدي عمره الخمسين بعامين فقال لي : هل تتذكر محمد البوعزيزي فقلت بفرحة : نعم.. أليس هو من كتب شرارة ثورة الياسمين في بلدكم.. نظر السائق لي وهو يبتسم.. نعم سيدي.. نحن الآن في ولاية القصرين التي انطلقت منها شرارة الثورة وتتبعها بلدة البوعزيزي وأيضا هي بلد الرئيس الباجي قائد السبسي.
كان السائق يبدو غاضبا وهو يوجه لوما شديدا إلي الرئيس السابق زين العابدين بن علي.. انظر إلي الطريق وما حوله لتعرف كيف همشنا ذلك الرجل ولم يهتم بنا.. انظر إلي الفقر الشديد الذي نعيش فيه لتعلم أننا كنا علي حق يوم أطحنا به وتخلصنا من سنوات حكمه.هكذا وجه لي حديثه.. لو كان صنع لنا طريقا جيدا لكنا وصلنا إلي وجهتنا في ساعات قليلة.. ثم قال لي : نحن نحب مصر كثيرا وفرحنا عندما قمتم بثورتكم أنتم أيضا.. يا أخي الفقر الشديد الذي نعاني منه منذ سنوات طويلة لا أتذكرها هو سر فرحتنا بالتغيير.. لا أعرف لماذا عادت بي الذاكرة إلي عام 1987 وكنت أعمل في جريدة الوطن اليومية بسلطنة عمان.. اتصلت السفارة التونسية بمسقط وأرسلت بيانا ما زلت أتذكره عن تولي بن علي وزير الداخلية الحكم في تونس نظرا للحالة الصحية السيئة للحبيب بورقيبة مع صورة كبيرة للرئيس الجديد بشعره الأسود الفاحم وهو يرتدي بدلة سوداء ويتدلي من رقبته أحد أوسمة التكريم التي حصل عليها.. في تلك الليلة حضرنا مع بعض الزملاء احتفالا بالسفارة إيذانا ببدء عهد جديد في تونس الخضراء.
كنا قد تجاوزنا القصرين قليلا في طريقنا إلي ولاية الكاف القريبة من الحدود الجزائرية.. نفس الملامح.. مناطق تشبه إلي حد كبير بعضها في وعورة الطرق وفقر المباني علي جانبيه وافتقارها إلي سكان يبعثون فيها الحياة..حوانيت بسيطة جدا وبيوت متهالكة فنحن في مناطق حدودية ينبغي الحذر فيها جدا.. هكذا قال الضابط الشاب في قوات الدرك للسائق.. هنا يمكن أن يخرج عليك إرهابي يقطع الطريق فكن علي حذر.. لم يعد الوضع آمنا.. قفز إلي ذهني علي الفور تلك الأيام التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011 بعد الإطاحة بمبارك وكيف كانت الأوضاع غير آمنة علي الطرق وحوادث السرقات المسلحة وانتشار العصابات علي الطرق الزراعية والصحراوية وكيف عانينا منها سنوات.
قبل وصولنا إلي الكاف.. قال السائق : هذه المناطق الحدودية فيها جبال وعرة وتضاريس صعبة ويتواجد فيها عصابات مسلحة من المتطرفين فنحن علي مقربة من الحدود الجزائرية حيث ينشط الإرهابيون ويجدون فيها ملاذا آمنا للهروب من قوات الدرك.
كان الوقت ليلا حينما وصلنا إلي ولاية الكاف.. عرج بنا السائق إلي طريق جانبي في أول البلدة وتوقف أمام احدي البنايات القديمة وهتف مرحبا بي : هنا سوف تجلس يا أخي وسوف يمر عليك أحد الزملاء في الصباح الباكر ليأخذك إلي مكان الاحتفال في نهاية البلدة.. تركني وذهب وأخرجت جواز سفري وسلمته إلي الرجل الجالس في الاستقبال ليقودني إلي غرفتي.. لم أستطع التعرف علي المكان الذي سيكون محل إقامتي ولم يبد مريحا لي.. كان الرجل يتحدث بلهجة صارمة تخلو من الترحيب تماما.. سلمني جواز السفر مع مفتاح الغرفة وقادني بنفسه عبر سلالم صعودا وهبوطا حتي وجدت نفسي أمام الغرفة.. نظرت حولي فلم أجد أحدا بجواري.
سلمت أمري لله وحده وقلت في نفسي.. أبيت الليلة علي أي حال وفي الصباح سوف نري.. في الغرفة كان الجو يبدو خانقا وأشعر بسخونة شديدة كأنني في فرن بلدي.. خلعت ملابسي لكي أتخفف من ملابسي التي أرتديها منذ الصباح ودخلت إلي الحمام.. وجدت المواسير تكاد أن تصرخ من شدة السخونة فتذكرت أن الجو بارد جدا في الخارج وهكذا يقومون بتسخين الغرف.. وتذكرت أنني لم أتناول بعد طعاما منذ غادرنا الطائرة في مطار العاصمة التونسية فقررت الخروج من الغرفة والذهاب إلي الاستقبال بالفندق.. طلبت الهاتف عشرات المرات فلم يجبني أحد.. خرجت من الغرفة وسرت في طريقي الذي جئت منه فلم أفلح.. عدت إلي الغرفة وقمت بمحاولة ثانية وثالثة ورابعة.. ولا أبالغ مطلقا.. في كل مرة أخرج من الغرفة أعود إليها من جديد.. جربت كل الطرق وفي نهاية المطاف وبعد محاولات كثيرة وجدت نفسي في الاستقبال أمام الرجل الصامت الذي لا يتكلم أبدا والذي يشبه كثيرا تلك الوجوه في روايات أرسين لوبين لموريس لبلان أو بؤساء فيكتور هوجو.. هو يتحدث الفرنسية بطلاقة والتي لا أجيد التحدث بها ولا يتكلم العربية الا قليلا.. بادرته معاتبا عن تلك الغرفة التي تركني فيها والتي لا أعرف كيف أصل إليها ثانية وكيف تركني بدون أن يسألني عما أنا في حاجة إليه.. لم يرد علي فهو لم يفهمني حتي تدخل رجل كان يجلس وحيدا في نفس المكان تكلم معه فقال له : إنه لم يطلب مني طعاما وأن الغرفة هي آخر غرفة في الفندق وعلي أن أحمد الله أنه قبل وجودي فيها وذهب لإحضار عشائي الذي لم أحدده.. كان المكان يبدو فقيرا جدا وليس به أي وسيلة ترفيه علي الإطلاق سوي جهاز التليفزيون المتواجد في الاستقبال فقط.
توكلت علي الله ونمت بعين نصف مفتوحة حتي طلع الصباح.. فوجئت بجرس التليفون يرن وهو الذي أبي بالأمس أن يعمل وصوت شخص يطلب مني الاستيقاظ من أجل تناول الإفطار.. قمت من نومي المتقطع فغسلت وجهي وارتديت ملابسي وخرجت من الغرفة قاصدا الاستقبال فتكررت معي محاولات الأمس وشيئا فشيئا وبصعوبة شديدة وصلت وتناولت إفطاري ووجدت شخصا في استقبالي من جهة الاحتفال لكي يوصلني إلي المكان.
كنت محرجا أن أحكي له ما حدث لي بالأمس وأنني لم أنم حتي الصباح.. قلت في نفسي أن أؤجل أي حديث للنهاية حتي لا أتسبب في حرج لمن دعوني لهذا المهرجان.
في الصباح أيضا اكتشفت أن الفندق عبارة عن قلعة قديمة تحيط بها الجبال من كل جانب وأنه يقبع في وسطها وعرفت سر الغرفة التي أصل إليها بعد صعود درجات وهبوط درجات وأن الغرفة تحت الأرض فيما يشبه القبو.. وتداعت إلي ذاكرتي كل الروايات التي قرأتها في صدر شبابي واتخذت قراري الا أدخل إلي هذه الغرفة مرة أخري حتي ولو ظللت ساهرا طوال وجودي في تونس !
المهم ذهبت إلي مكان الاحتفال الذي أقيم في قاعة فسيحة بمبني يتبع وزارة الثقافة وعلمت بوجود وفود من فرنسا والولايات المتحدة ولوكسمبرج ومعظم الدول العربية وشاركت منذ الصباح في كافة الفعاليات الثقافية وفي المائدة المستديرة وتحدثت عن آفاق المستقبل في المسرح المصري والحياة الثقافية في مصر وعن تجربة قصور وبيوت الثقافة في مصر وكيف تساهم في محاربة الإرهاب.
واستقبلني مدير المهرجان في مكتبه مشيدا بالعلاقات القوية بين مصر وتونس متمنيا لي طيب الإقامة في بلدي الثاني وهنا طلبت منه وأنا في حرج بالغ البحث عن أي مكان لي بعيدا عن هذه القلعة التي وجدت نفسي فيها ففوجئت برده : هذا الفندق هو الوحيد في البلدة وأن هناك فندقا آخر أقل في المستوي وأنهم اختاروا لي هذا المكان لتميزه وأسقط في يدي فسكتت.
عدت إلي فندق أرسين لوبين في المساء وقررت أن أتعايش معه بأي ثمن فقد أكرموني وليس في وسعهم غير ذلك وصممت علي اكتشاف مداخل ومخارج المكان وأن أظل في الاستقبال أسيرا حتي يغلبني النعاس فأذهب للنوم ودربت نفسي عدة مرات علي الدخول لغرفتي والخروج منها وحددت لنفسي علامات أعرف من خلالها أنني في الطريق الصحيح وقضيت عدة أيام من أمتع ما قضيت في هذه الولاية وتجولت في أسواقها الشعبية البسيطة وجلست علي مقاهيها وزرت بعض معالمها والتقيت زوارا لها مثلي من الأخوة الجزائريين الذين يعتبرونها محطة العبور إلي بلادهم. وتمتعت بكرم التوانسة الذين يشبهوننا كثيرا.. أردت أن أشتري أي شئ قبل عودتي فلم أجد الا أسطوانات لأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش والأغاني الشعبية الشهيرة في ولاية جندوبة الحدودية أيضا وما تزال أصداء هذه الرحلة في ذاكرتي حتي الآن رغم مرور السنين.
في هذه الزيارة عرفت لماذا يجد الإرهاب ضالته في هذه المناطق المهمشة.. وسمعت وقتها من الأخوة التونسيين أن متطرفين اعتدوا علي مجموعة من المثقفين والمسرحيين ومنعوهم من تقديم مسرحياتهم في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة وهذا أحد توابع تنامي ظاهرة الإرهاب في بلد يعشق الفن والثقافة.
»إن الله يحب أن تؤتي رخصه»‬
خلال شهر رمضان المبارك الذي ودعناه بالأمس.. أتذكر هذه الحكاية التي جعلتني أشد التصاقا بالمولي عز وجل وحرصا علي رضائه مشددا بيني وبين نفسي علي الاستعداد للصوم في هذا الشهر الكريم ومدربا إياها علي التقرب إلي الله مناشدا عفوه ورحمته حريصا علي فهم ديني.
كنت أعتقد أن الله شرع رخصة السفر لهؤلاء الذين يعانون مشقة الطريق قبل اختراع الطائرات والسيارات وعجز عقلي عن إدراك أن التعليمات الإلهية لكل زمان ومكان وأن الله يحب أن تؤتي رخصه كما تؤتي عزائمه.. وإليكم هذه الحكاية.
في أحد أيام شهر أغسطس قبل نحو أعوام كثيرة..كنا في شهر رمضان المبارك وكان الجو شديد الحرارة.. وكان علي أن أعود إلي عملي في سلطنة عمان.. ركبنا الطائرة في طريقنا إلي مطار المنامة الدولي ومن ثم إلي مطار السيب الدولي ( مسقط الآن).. علي الطائرة جري حصر المسافرين الصائمين وكنت واحدا منهم.. وحدد كبير المضيفين عددنا الذي لم يزد علي بضعة أشخاص صممنا علي الصوم وعدم الإفطار.. كان منطقي أن زمن الرحلة إلي البحرين لن يزيد علي ثلاث ساعات ونصف الساعة وأنني سوف أتناول إفطاري مع المسافرين الصائمين قبل وصولنا إلي المنامة.. توكلت علي الله وقررت مواصلة الصيام.. وضعت سماعات الأذن علي إذاعة القرآن الكريم وأكملت رحلتي فالطائرة مكيفة ولن أشعر بأي صعوبة وسألت نفسي.. ليس هناك ما يدعو إلي الإفطار.
وقبل وصولنا بدقائق إلي مطار المنامة أعلن الكابتن أن آذان المغرب حان الآن في البحرين وقام طاقم الضيافة بتوزيع وجبة الإفطار علينا مع كوب من عصير البرتقال وعندما هممت بتناول الإفطار أعلن الكابتن قائد طائرة طيران الخليج الاستعداد للهبوط في المطار وبسرعة قام الطاقم بأخذ الوجبات كما تقضي تعليمات الطيران عند الهبوط أو الإقلاع.. نزلت الطائرة بسلام وغادر الركاب إلي خارجها انتظارا لاستكمال رحلتنا إلي مسقط.. في المطار.. كان الجميع يتناولون الإفطار.. مددت يدي في جيوبي فلم أجد سوي حوالي مائتي جنيه وتذكرت أن الدولارات التي كانت معي تركتها في حقائبي فلم أتحسب لحدوث مثل هذه الظروف.. ذهبت إلي البائع الهندي في أحد محال مطار المنامة ومددت يدي بمائة جنيه وطلبت منه علبة بسكويت وكوب شاي فرفض لأنه لا يعرف عملتنا وحاولت أن أتفاهم معه فلم يستجب.
علي مقربة منا كان يمر رجل أمن بحريني فسمع حوارنا وإذا به يأمر البائع أن يلبي طلبي وأصر علي دفع الحساب قائلا لي : يا أخي نحن أخوة وأنت صائم وعنف البائع الهندي بشدة.. جلست علي أحد المقاعد أتناول إفطاري.. ولسوء حظي تأخرت الطائرة القادمة من بومباي والتي ستقلني إلي وجهتي الأخيرة وجلست منتظرا أكثر من أربع ساعات ونصف الساعة حتي تم النداء علي الركاب فصعدنا في طريقنا إلي مسقط التي وصلنا إليها بعد نحو ساعة وربع وخرجنا من المطار والفجر علي وشك أن يؤذن وتناولت شربة ماء ونويت الصيام وأنا في طريقي إلي بيتي بالعاصمة مسقط.. وهكذا ظللت صائما بدون إفطار أو سحور حتي مغرب اليوم التالي وتعلمت درسا مهما وأيقنت أنني أخطأت في عدم استخدام الرخصة الإلهية التي منّ الله بها علي عباده وعرفت معني حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم :
»‬ إن الله يحب أن تؤتي رخصه كما يحب أن تؤتي عزائمه».
كنت شابا صغيرا أتميز بالحماس وقوة التحمل كسائر من هم في مثل عمري.. وصممت علي الصيام وفسرت الأمور علي هواي وأن الناس زمان كانوا يركبون الجمال يمشون في الصحراء تحت الشمس المحرقة ويعانون من مشقة الطريق أما أنا فأركب طائرة مكيفة ولا أعاني من أي مجهود وبالتالي لست في حاجة إلي استخدام هذه الرخصة.
لم أسأل نفسي سؤالا وجيها وقتها : أليس من وضع هذه الرخصة يعلم بزماننا هذا وأنه يعلم غيب السموات والأرض وأن هذه الرخصة تصلح لكل زمان ومكان حتي يوم القيامة وأن الله سبحانه وتعالي يشدد علي إتيان رخصه وأنه رؤوف بعباده عليم بهم وأنني خالفت تعاليمه بحسن نية وتطرف في عبادته حبا في نيل ثواب أعظم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.