من الطبيعي أن يحتار المرء حين يتعرض بالحديث عن عالم وكاتب ومفكر مبدع وباحث أكاديمي مرموق بحجم ومكانة الأستاذ السيد يسين، فهو صاحب مشروع فكري تنويري متواصل،قدم خلال مسيرته الفكرية، التي بلغت نصف قرن تقريبا، أعمالا تميزت بالغزارة والريادة والتجديد المتواصل في مجال »العلم الاجتماعي»، واسع المعرفة، متداخل الأبعاد، منطلقا من مقولات ونتائج العلوم البينية غزيرة المعارف والتنويعات، تلك التي تتشابك في مجالات الفكر والثقافة والمعرفة تدعونا، كباحثين ومفكرين وطلاب علم،لتحليلات موسعة وتفسيرات متخصصة في سبيل التعمق النظري والتحلي بالواقعية المنضبطة منهجيا ؛ وهو ما يُسهم في رصد معطيات خاصة بقضايا وإشكاليات حياة البشر، فكان العلم الاجتماعي لدي أ. السيد يسين هو »عالم المعرفة ومصدرها» مما مكنه بحرفية العالم المفكر والباحث الأمبيريقي أن يسخرمعارفه النظرية المتجددة ليعبر من خلالها عن أوجاع الناس بشرائحهم الطبقية المتنوعة، ويعالج قضاياهم ويرصد همومهم. ولم يكتف السيد يسين بهذا الطرح بتبني رؤي تحليلية متنوعة تمسًك بها أحيانا ورفضها أو عدل منها حين استدعت الضرورة تخطيها، مسترشدا بمبادئ وأسس علم الاقتصاد السياسي،حيث أسهمت في تفكيك البني وإعادة تركيبها وتحليل مكونات ومسارات النظم السياسية والاقصادية والاجتماعية مستعينا في إبداعاته بمنظور نقدي ومنهج تاريخي مقارن، آخذا في اعتباره جدلية العلاقة بين الأنا والأنا من ناحية وبينهما والآخر من ناحية أخري، موضحا إشكاليات البُني الاجتماعية المتصارعة بين إرث الخصوصية وحداثة العالمية وما بعدها. إن من يطلع علي مجمل أعمال أ. السيد يسين، البحثية والثقافية، ويتابع سلسلة مقالاته المنتظمة في صفحات الرأي في جريدة الأهرام، وكذا تأملاته المتعددة وزخم حواراته الساطعة في أروقة المؤتمرات والمنتديات الداخلية والخارجية، يستطيع، دون جهد، ملاحظة تمسكه بملامح وخصائص اهتمامه الشديد بأخلاقيات البحث العلمي المعبرة عن شخصيته المهنية، ويعدد ما يتمتع به المفكر من ذكاء اجتماعي وخيال سوسيولوجي متواصل، وما يختزنه من تراكم خبرات وتجارب حيه صقلت فكره، وما يستوعبه من معارف موسوعية تنتمي إلي فضاءات متشعبة التوجهات، ولاشك أنها أحدثت نقلة نوعية في توجهات العلم الاجتماعي، علي الأقل في مجتمعاتنا العربية التي أخذت حيزا عظيما من اهتماماته البحثية، ومن ثم كان إجماع الباحثين في شئون المجتمع العربي علي أن عطاء أ.السيد يسين تواصل ولم ينقطع عن طالب علم يستزيد بفكره وبصيرته فقد رحل تاركا لنا إرثا معرفيا وزخما ثقافيا سيظل ممتدا لن ينتهي بالتقادم.