مهما بلغ جبروت الانسان ومهما بلغ تقدمه العلمي والتكنولوجي ومهما تصاعد غروره الذي يدفعه لرفع شعار: »يا أرض اتهدي ما عليكي ادي«.. فإنه وأمام غضبة محدودة وثورة متواضعة للطبيعة التي خلقها الله سبحانه وتعالي يجد نفسه عاجزا ولا حول له ولا قوة. هذه الحقيقة تؤكد ان ما حققه ويحققه هذا الانسان من علم ما هو إلا قليل القليل مما أتاحه الله له. ليس أدل علي هذا الواقع الذي يجب ان ندركه جميعا من هذه التداعيات التي أحدثها بركان واحد في بقعة واحدة من أرض دولة ايسلندا. الغبار الذي أطلقه هذا البركان وحلقت به الرياح في أركان كل أوروبا محملا بالرمال والمواد الصلبة أوقف الحياة تماما في كل العالم نتيجة الشلل الذي أصاب حركة الطيران من وإلي أوروبا. تعطلت جميع الرحلات الجوية تجنبا لخطر دخول المواد العالقة بسحابة البركان السابحة في الهواء بلا ضابط ولا رابط.. إلي محركات الطائرات مما قد يؤدي إلي كوارث وسقوط ضحايا بمئات الآلاف. كل الطائرات بين أوروبا وكل بقاع العالم أُجبرت علي التزام البقاء علي الأرض كما أُغلقت المجالات الجوية لكل مطارات أوروبا. الأمر الذي دفع مئات الآلاف بل الملايين من الركاب ان يهيموا علي وجوههم لا يستطيعون الوصول إلي بلادهم أو إلي وجهاتهم المختلفة. كان من نتيجة ذلك تعرض صناعة الطيران المدني إلي أزمة عنيفة لم تشهدها علي مدي تاريخها. وأفرزت هذه الأزمة خسائر هائلة قُدرت بصفة مبدئية ب002 مليون دولار في اليوم الواحد وهو رقم أراه لا يعكس الحقيقة وبناء عليه فإنه من المتوقع أن تكون الخسائر أضعاف أضعاف هذا المبلغ. المشكلة الآن هي أنه لا أحد يستطيع أن يتنبأ بالوقت الذي يمكن ان تنتهي فيه هذه الأزمة. كل شيء مرهون بالمدي الذي ستصل اليه ثورة بركان ايسلندا ومتي تتوقف عملية اطلاقه للحمم وللسحب الغبارية. واذا كان مواطنو أوروبا قد استطاعوا حل جانب من مشاكل تنقلاتهم باستخدام القطارات والسيارات فإن مئات الآلاف من مواطني القارات الأخري المتواجدون في أوروبا وكذلك الأوروبيون الموجودون خارج أوطانهم سوف يظلون سجناء في مطارات وفنادق الدول الأوروبية ودول العالم ليس من سبل أمامهم سوي انتظار فرج الله. لقد كان من نتيجة هذا الوضع.. ارتباك عالمي انعكست آثاره سلبا علي الأنشطة الاقتصادية والخدمية في العديد من دول العالم. أتمني أن يكون الذي حدث ويحدث عبرة لبني الانسان خاصة هؤلاء الذين يعتقدون انهم ملكوا الأرض وما عليها. ان ما حدث كشفهم جميعا وحولهم إلي أقزام يعانون العجز الكامل أمام ثورة بركان ايسلندا. لم يعد أمامهم سوي التطلع إلي السماء وهم يتضرعون: »أغثنا يا الله«. جلال دويدار [email protected]