في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بيوم المرأة العالمي بكوكتيل تجتمع فيه رائحة أعياد الأم والحب والأخت والزوجة،يوجد العديد من السيدات المصريات »المنسيات» لوجودهن علي »شمال» المجتمع حيث العناء والكفاح والتهميش،فلا رجلها إن كان موجودا قد قدرها ولا مجتمع تعيش فيه قد أنصفها،نشاهد مثل تلك المرأة في حياتنا ونتعامل معها في كثير من متطلبات حياتنا دون أن نعلم أي ظروف جعلتها تشقي وتجري وراء لقمة عيش بسيطة تضعها في فم أفراد أسرتها قبل أن تضعها في فمها،إنها المرأة القروية المكافحة التي تقضي ليلها في إعداد بضاعتها من الخضراوات والجبن القريش والبيض والزبد،وتخرج من بيتها بالقرية مع أول خيوط الشمس في طريقها لزبائنها في القاهرة مهما كان حال الجو وسقوط المطر وبرودة الطقس، وتحمل فوق رأسها أحمالا تفوق قدرتها، ويمر اليوم وراء اليوم وهي في حالة استعداد دائم لنفس الرحلة.. رحلة الشقاء والمسئولية. تجدها في كل الأسواق وحول المصالح الحكومية، تفترش أرصفتها وتعرض بضاعتها،وعلي رصيف وزارة التربية والتعليم تقف صباح عوض »40سنة» في نفس المكان لعرض بضاعتها منذ 10 سنوات،عندما جاءت اللحظة التي توقف فيها زوجها عن الحركة والسعي للرزق بعد إصابته بأزمة قلبية حادة ومنعه الطبيب،ولم يكن أمامها مفر من أن تحل محله وتكسب رزق أسرتها من العمل الذي تجيده،وهو صنع الفطائر الفلاحي اللذيذة وبيعها في مكان تجد الزبون الذي يطلبها،وهكذا انضمت إلي طابور طويل من نساء قريتها سلمنت بمركز بلبيس في محافظة الشرقية،يستيقظن في تمام الساعة الرابعة فجرا ويخرجن وفوق رؤوسهن صواني الفطير والجبن والبيض البلدي والزبد،ويركبن القطار الذي يصل إلي القاهرة في تمام الساعة الثامنة صباحا وتأخذ كل واحدة مكانها وتفرشان بضاعتهما علي بعد أمتار قليلة من وزارة التربية والتعليم،وتقول لنا »صباح»:» عملي ينتهي بعد بيع جميع منتجاتي وخروج آخر موظف وموظفة من المصالح الحكومية،وانصراف زبائني الذين اعتادوا علي الشراء مني ». لا تختلف كثيرا قصة فوقية عبد الباسط 48 سنة،فهذا العمل هو قدرها ونصيبها الذي ترضي به ولا تتذمر عليه أبدا،وكما تقول: »هي دي لقمة عيشي إللي ربنا اخترهالي..لازم أتعب علشان أقدر أجيب قوتي وقوت عيالي»، كانت في حالة رضا رغم الخطوط القاسية التي رسمها الزمن علي وجهها،فبعد أن كانت ربة منزل كل عملها هو تربية أبنائها ورعايتهم وخدمة والديها الطاعنين في السن، ولم يكن بيدها شئ عندما تلقت ذات يوم ورقة طلاقها من زوجها بدون أي مقدمات أو يذكر لها الأسباب،فقد سافر للعمل بالخارج منذ 15 عاما، وترك لها ثلاثة من الأبناء في مراحل التعليم المختلفة،ولم يكن أمامها سوي النزول للعمل وبيع الخضراوات والزبدة الفلاحي في القاهرة،وتقول : أجمع الخضراوات من جيراني الذين لديهم زراعات بسعر مناسب ثم أقوم بتجهيزها وتنظيفها وتقطيعها وتعبئتها في أكياس نظيفة بعد وزنها ثم أبيعها للموظفات وللأمهات العاملات ». وتلخص حكاية عزة فتح الله من شبين القناطرمحافظة القليوبية،قصص المئات من السيدات،ورغم أنها مازالت في أوائل الثلاثينيات فقد شاء الله أن ينكسر ظهرها كل يوم، مع إصابة زوجها عامل البناء بكسر في العمود الفقري بعدما انزلقت قدمه من علي السقالة،ووجدت نفسها بعد 17 عاما من الزواج تمثل نصف سنين عمرها، مسئولة عن إعالة الزوج وأولادها الأربعة،أكبرهم في المرحلة الثانوية وأصغرهم في الابتدائية، ومعهم والدا زوجها ،حيث تقيم معهما وتكسرت أحلامها للمرة الثانية،فقد كانت وهي صغيرة تحلم باستكمال تعليمها ولكن والدها أصر علي تزويجها،وكادت تتكسر أحلامها في حياة مستقرة وتعليم أولادها،لولا أنها تمسكت بتحقيق حلمها في أولادها واتخاذ قرار النزول للعمل وبيع »البضاعة الفلاحي» في شوارع القاهرة. • سارة أحمد رضوي حسني