أم محمود: حلمى تعليم الأولاد.. فتحية: زوجت البنات ويبقى الولد.. زينب: الحمد لله.. رضا مع نسمات فجر كل يوم جديد تحمل القطارات القادمة إلى القاهرة قصص كفاح لمصريات عظيمات يجاهدن من أجل الحصول على رزق أسرهن. أصبحن جزءاً من المشهد اليومي لملايين يركبون القطار ويشاهدونهن على الرصيف أو على الأبواب وداخل العربات، قد يساعدهن أحد في رفع حمولتهن أو إنزالها وربما لا يلفتن أنظار البعض بعد أن تعودت عيناهم على ذلك المشهد. لا تغيب يوما عن عملها أو تتخلى لحظة عن الحصول على رزقها الذي حملته داخل «الطشت» الذي تحمله على رأسها، وتحمل فيه «المرأة القروية» ما تيسر لها من خيرات الريف، وتذهب لتجلس به على جوانب أسواق الخضر والفاكهة وعلى مداخل ومخارج مترو الإنفاق لتبيع ما جاءت به وتعود برزقها إلى أسرتها تحمد الله على القليل، وتواصل مهمتها بإعداد الطعام وغسيل الملابس ومتابعة شئون زوجها وأولادها. أنها المرأة الريفية المعيلة التي تحترق كشمعة وتنير الطريق لأسرتها كما المصباح في ليالي الصحراء ..تستيقظ من النوم فجراً، أو ربما قبل ذلك لتبدأ في جمع بضاعتها، وتحمل «الطشت» فوق رأسها وقد ملأته بالفطير المشلتت والجبن الفلاحي والمش والبيض، وتستودع الله أسرتها. وعلى رصيف محطة قطار بلبيس تابعنا قصص الكفاح، فهناك سيدة مسنة افترشت الرصيف تكمل نومها لحين وصول القطار في حين جلست الأخرى وسط بضاعتها تراقب زميلاتها، في حين ملأت علامة الرضا وجوههن، ولم يختلف الأمر داخل القطار حيث افترشن أرض العربة، كانت أعمارهن متفاوتة يتناولن لقمة الإفطار سويا يبدأن بسم الله وينتهين بحمد الله وتمنى عدم زوال نعمته.. وكانت بينهن أم محمود وهى امرأة أربعينية تذهب إلى سوق القاهرة خمس مرات في الأسبوع، تغادر منزلها فجرا وتعود إليه عند الغروب، لديها أربعة أولاد وتشقى لمساعدة زوجها الأرز قي عامل اليومية من أجل تحقيق حلمها في تعليم الأولاد. تركب أم محمود الأوتوبيس من موقف احمد حلمى بعد نزولها من القطار إلى سوق السيدة عائشة وتدعو الله أن يرزقها بكمساري أو سائق أتوبيس ابن حلال لا يرفض ركوبها بالطشت، ويكون البديل عادة استقلال التاكسي مع زميلة لها وسداد الأجرة بالمناصفة.. ولا تنتهي المتاعب بوصولهن للسوق ولكنها قد تبدأ مع بلطجة بعض السيدات اللاتي يفرضن عليهن «فردة» الجلوس في السوق، وهى المشكلة التي تواجهها أيضا. الحاجة فتحية أو أم المجند عمر كما تحب أن ينادونها، كان زوجها يعمل سباكا قبل أن يرحل بالالتهاب الكبدي الوبائي، ونجحت من رزق «الطشت» فى تزويج وستر ثلاث بنات، وأخذت عهدا على نفسها أن تواصل الذهاب إلى سوق العباسية ولا تتوقف عن العمل حتى يتزوج ابنها الوحيد. تتكرر القصص والحكايات في رحلة العودة مع الغروب حيث تصبح نظرة الرضا «أكثر عمقا» وابتسامته أكثر اتساعا مع الرجوع برزق اليوم، ويتداولن القصص في رحلة القطار القشاش. وتقول أم احمد الحمد لله «مجبورة»، في حين تقول لنا الحاجة زينب: أنا فخورة بعملي، وتؤكد لنا أنها لن تتوقف عن العطاء لأولادها رغم كبر سنها، وكانت كلمتها الأخيرة: «الحمد لله.. رضا».