قال الشعب كلمته "نعم" للتعديلات الدستورية التي تفتح الباب للاستقرار ولصياغة دستور جديد وفق خطوات واضحة، ولم يعد من حق أحد أن يتعالي علي الشعب، أو"يتذاكي" و" يثاقف" عليه، بحكم امتلاكه لبعض الفضائيات والإذاعات والصحف أو قدرته علي الظهور علي شاشاتها وعبر إعلاناتها. قال الشعب كلمته، ولم يعد أمام الجميع إلا السمع والطاعة لصوت الشعب دون تكبر أو تبجح أو إلتفاف، في محاولة للهرب من استحقاقات ما بعد الاستفتاء. لقد حددت التعديلات التي أقرها الشعب طريقا واضحا للتطور الديمقراطي يبدأ بانتخابات مجلسي الشعب والشوري، ومن ثم اختيار اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور الجديد، وأخيرا انتخاب رئيس الجمهورية، وهذا يعني أن أي تأخير للانتخابات النيابية بحجة منح الأحزاب الجديدة فرصة لتسويق نفسها، هو تأخير لصياغة الدستور الجديد، والذين يريدون تعطيل قطار الديمقراطية بحجة عدم الاستعداد هم الذين يريدون حرمان الشعب من دستور جديد قريبا ذلك أن حجة عدم الاستعداد ستستمر طويلا، إذ ستطالب هذه القوي بالمزيد من المدد والمهلات حتي تنمو وهو ما لن يتحقق خلال سنوات تتعطل خلالها مسيرة الديمقراطية في البلاد. الشعب إذن يريد انتخابات نيابية سريعة بعد إنجاز القوانين المكملة للدستور وأهمها قانون الأحزاب وقانون مباشرة الحقوق السياسية، والتصديق علي هذه القوانين من المجلس العسكري ونشرها في الجريدة الرسمية لتصبح نافذة، والشعب لن يقبل ممارسة ضغوط نخبوية علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة لتأجيل هذه الانتخابات، الأمر الذي يعني تمديد فترة الشهور الستة التي حددها المجلس لنفسه من قبل وأكد الالتزام بها، لا نريد من المجلس العسكري الخضوع لإرادة الأقلية التي لم تبلغ 23٪ وتجاهل إرادة الأغلبية التي تجاوزت 77٪ والتي عبرت عن نفسها بشكل ديمقراطي في صناديق الاستفتاء، وأرادت بخروجها الحاشد يوم السبت أن تصل سريعا لمجلسي شعب وشوري ولجنة تأسيسية للدستور ومن ثم دستور جديد خلال فترة قصيرة، وإذا حدث تجاهل لرأي هذه الأغلبية بتأخير الانتخابات النيابية فقل علي الديمقراطية السلام!!. كان غريبا أن تكون أغلبية الشعب مع " نعم" بينما المرشحون للرئاسة -الأقوياء منهم والضعفاء - مع " لا" ما يعني أنهم لم يمتلكوا حساسية معرفة المزاج الشعبي العام، وتلمس مشاعره ونبضه، ومجاراتهم لمواقف النخبة في القاهرة، وعدم معرفتهم بما يحدث خارج العاصمة، وما يعني أيضا عدم قدرتهم علي التأثير في هذا الشعب، لقد أظهرت نتائج الاستفتاء قوة التيار الإسلامي مهما حاول أعداؤه التشكيك في ذلك، ومهما حاول بعض المنتسبين لهذا التيار التقليل أيضا سواء من باب التواضع او من باب الطمأنة، ولكن هذه القوة تفرض بالفعل علي التيار الإسلامي طمأنة الخائفين سواء كانوا من المسيحيين أو من المسلمين، وتقديم صورة أكثر تسامحا تجاه المجتمع وقضاياه الشائكة، وإذا كان من حق أي إنسان ملتزم دينيا أن يختار لنفسه مواقف فقهية متشددة سواء من باب الأخذ بالعزيمة أو الحيطة، فإن من الواجب أن نقدم للمجتمع أيسر المواقف الفقهية. وفي هذا المقام احيي مبادرة الإخوان بالحوار مع القوي السياسية، وتقديمهم عدة مبادرات أولاها ميثاق وطني للمرحلة الانتقالية في الشئون السياسية والاجتماعية والاقتصادية الخ، وثانيتها المرشح الرئاسي التوافقي، وثالثتها القائمة الموحدة للقوي السياسية في الانتخابات النيابية المقبلة بهدف خفض الاحتقان السياسي وتحقيق التمثيل العادل والمشرف للجميع، وأتمني أن يقوم التيار السلفي والجماعة الإسلامية بمبادرات مماثلة لتهدئة مخاوف القوي السياسية والاجتماعية الأخري، يبقي أن الاستحقاق الأهم هو إعادة الأمن والاستقرار للشارع المصري سريعا، ومواجهة الفتن والمؤامرات التي تحيكها فلول النظام البائد.