بين فيزيتة طبيب لا يرحم وأسعار أدوية ليست في متناول اليد أو غير موجودة، لم يجد البعض مفرا من العودة إلي تذكرة داوود ووصفات الأجداد للتداوي بالأعشاب برغم التحذيرات منها والتي وجدت صداها في الفترة الماضية، وهكذا يمكن تلخيص ما تشهده "حارة العطارين" بالأزهر، حيث تشهد تجارة الأعشاب الطبية ازدهارا كبيرا، وزاد الاقبال علي استشارة "الحكيم العطار" في " العقار" المناسب لعلاج كل مرض، واستبدل البعض الأعشاب الطبيعية بالأدوية الكيميائية، حيث ينصحهم العطار بالعشب المناسب لعلاج أمراض الكلي والكبد والقولون العصبي وآلام المعدة ومرضي السكري والضغط والقلب ومرضي الالتهاب الكبدي الوبائي وغيرها من الامراض المزمنة التي يعاني منها أغلب الشعب المصري. ومع أولي نسمات الصباح المبكر يبدأ الازدحام في حارة العطارين المتفرعة من شارع الازهر بمنطقة الموسكي، وتضيق خطوات المارة في تلك الحارة الضيقة التي تفوح منها روائح الفلفل الاسود والحبهان والمستكة والروز ماري والكمون، حيث تتلاصق محلات العطارة، ويبحث العديد من زوارها عن "حكيم" في كل واحد منها، وخاصة العطارين كبار السن لشراء وصفات العلاج بالاعشاب الطبيعية التي تشفي آلامهم، وكما يفعل الأطباء في إعلاناتهم التي تملأ شاشات الفضائيات، وضع كل محل علي بابه قائمة بأسماء بضاعته والأمراض التي يعالجها كل صنف، فدبس البلح لعلاج حالات الربو وفقر الدم وآلام المفاصل وتقوية العضلات في مرحلة نمو الاطفال، وزيتونة بني إسرائيل لعلاج حصوات الكلي، والحلف بر للتخسيس، وبلح اللولب لمرضي السكري وزهرة البابونج لعلاج القولون العصبي والانتفاخ، ومشروب المرمرية للتخسيس، والبردقوش لعلاج مرضي القلب، والشمر لعلاج آلام القولون، وبذر الكتان وزيت حبة البركة لعلاج آلام الصدر والمعدة، أما مرضي القلب فقدموا لهم وصفة "لوز القلب". وحكايات زوار "حارة أطباء العطارة " لا تنتهي، فقد لجأ أحمد الشحات 45 سنة، إلي شراء العطارة كطب بديل بسبب ارتفاع أسعار الادوية، وكما يقول لنا فهو يعمل في إحدي المحلات التجارية ومرتبه الشهري 750 جنيها لا يكفي لتوفير متطلبات أسرته، ويقول لنا : كان الحل هو استشارة احد العطارين المشهورين بالحكمة لشراء عشب الميرمية التي تستخدم لعلاج مرض الزهايمر الذي تعاني منه والدتي بعدما سمعت عنه من أحد اصدقائي ووصفه لي كعلاج رخيص الثمن وليس له أي أضرار جسدية سواء علي المدي القصير أو البعيد"، أما نادية صابر 30 سنة ربة منزل، فقد ذهبت إلي من وصفته بأنه من أشهر العطارين بالحارة لسؤاله عن دبس البلح وعشب الأفيدرين الذي يستخدم لعلاج أمراض الجهاز التنفسي، فيما يؤكد لنا الحاج اسماعيل محمد 42 سنة موظف، بأنه تعود علي العلاج بالاعشاب منذ صغره، ويقول: »لم يصبني أي ضرر وصحتي زي الفل والحمد لله« ويشير إلي أن زوجته تفرض عليه علاج أطفاله لدي الأطباء لخوفها من تناولهم الاعشاب الطبيعية ويقول: «ووصف لنا الاطباء أدوية باهظة الثمن ولم اتمكن من شرائها فاضطررت إلي اللجوء إلي الاعشاب الطبيعية مرة اخري»!. ويبدو أن زمن العطار قد عاد، ويعرف أهل هذه المهنة أن ارتفاع اسعار الادوية و"فيزيتة" الكشف لدي الاطباء في العيادات الخاصة كان أحد أسباب ازدهار تجارتهم من جديد، وعادوا بقوة للترويج لها، وكما يؤكد الحاج محمد سالم، فالأعشاب علاج ليس له أي أضرار جانبية بعكس آثار الادوية الكيماوية علي المدي البعيد وكذلك مضاعفات الجرعات الزائدة، فيما يؤكد أحمد عبد الباسط أن المرضي لجأوا إلي العلاج بالاعشاب الطبيعية كما كان يحدث في الزمن القديم لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولي، وأصبح الحال كما يصفه لنا الحاج عبد السلام عطية، حيث يأتي المرضي إلي العطارين ويشرحون لهم أوجاعهم، ليقوموا باعداد الوصفات الطبية المناسبة لحالتهم، مشيرا إلي أن العلاج المرتفع ثمنه يمكن تحضير بديل له من مزيج الأعشاب بسعر لا يتجاوز 20 جنيها.