هل تؤدي نذر الحرب الطائفية التي تجري بوتيرة متسارعة بين السعودية وايران إلي مواجهة مباشرة بين الدولتين؟ وهل كان اعدام رجل الدين الشيعي السعودي نمر باقر النمر هو السبب في ردود الافعال المتهورة من الجانب الايراني مثل اقتحام السفارة السعودية في طهران وقنصليتها ورد السعودية بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين؟ أم ان هذا التدهور في الموقف كان طبيعيا قياسا علي محاولات اللاعبين الاكبر في المنطقة( السني السعودي والشيعي الايراني) مد نفوذهما والسيطرة علي دول المشرق العربي، خاصة بعد تزايد الشكوك السعودية في الدور الذي لعبته وتلعبه الولاياتالمتحدة اثر التوصل إلي اتفاق نووي مع ايران يرفع عنها العقوبات ويطلق يدها في زعزعة استقرار المنطقة.»بالعربي كده..السعودية وباقي دول الخليج اصبحت مقتنعة ان امريكا باعتهم لايران». لذا كان من الطبيعي ان يدور بين طهرانوالرياض صراع خفي وعلني في العديد من الساحات منها العراقوسوريا ووصلت إلي حد الصدام غير المباشر في اليمن حين تدخلت ايران لدعم الحوثيين والانقلاب علي حكومة اليمن الشرعية.. الامر الذي اعتبر انتصارا لايران فضلا عن مكاسب وجودها القوي في كل من العراقوسوريا فضلا عن لبنان من خلال حزب الله. ولهذ يرجح البعض أن الدافع وراء التصعيد السعودي مؤخرا يتركز حول المخاوف من إمكانية نجاح الصفقة الأمريكية مع إيران بشأن برنامجها النووي وتعتبر السعودية عودة إيران إلي النظام الدولي وتطوير علاقاتها مع واشنطن بمثابة تهديد شديد لوضعها الإقليمي.. وهو مادفع السعوديين لإعادة ترتيب أوراقهم من جديد بعد وصول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لسدة الحكم، الامر الذي دفع السعودية إلي إعادة تقييم عملية صناعة القرار في المملكة وبدأت مؤشرات جديدة تطفو علي السطح تؤكد علي ان القيادة السعودية الجديدة بدأت العمل علي الحفاظ علي نفوذها الاقليمي امام التهديدات الإرهابية التي تأتيها من عدة اتجاهات واخطرها من ايران. أزمة إقليمية ومع ذلك اصبح فجأة اعدام النمر محور أزمة إقليمية ذات أبعاد طائفية..فمنذ اعتقال النمر من قبل السعودية بتهمة الإرهاب والحكم باعدامه، وإيران ووكلاؤها يهددون الرياض بعواقب وخيمة اذا قتلوه.ومثلما استخدمت ايران الشرعية الدينية لارسال الجهاديين الشيعة إلي سوريا لمنع سقوط نظام بشار، تفرض اليوم نفوذها علي الجاليات الشيعية في المنطقة وهي سياسات جعلت تلك الجماعات وعلي الاخص الموجودة في السعودية ولبنان والبحرين تدين لها بالولاء والطاعة. ورغم توقعات البعض بان التصعيد الاخير بين الدولتين يضع الشرق الاوسط علي حافة الهاوية ومن ثم انخراط الدولتين في حرب مباشرة في الاجل القريب الا ان المراقبين يستبعدون ذلك لان كلا الدولتين مشتبكتين بالفعل في حرب بالوكالة في كل من اليمن وسوريا- بهدف السيطرة علي النظام الإقليمي في المنطقة، لكن التصعيد الاخير سوف يكون له تأثيرات مباشرة كثيرة منها عرقلة عملية السلام في سوريا وصب المزيد من الزيت علي النيران المشتعلة هناك..وايضا استمرار الحرب في اليمن في ظل الاخفاق في الوصول لاتفاق لوقف إطلاق النار.. في الوقت نفسه فقد تصبح الحملة ضد تنظيم داعش أكثر تعقيدًا. موقف حرج وهناك اتفاق علي ان ما يحدث حاليا في المنطقة هو جزء من تداعيات السياسة الأمريكية في الشرق الاوسط، خاصة بعد أن تقاربت مواقف إدارة الرئيس أوباما مع الحكومة الإيرانية بشأن الملف النووي الإيراني. وقاد ذلك إلي رفع الحظر الدولي عن إيران، وهو أمر لا يرضي السعوديين ولم تفلح رسائل الطمأنينة التي قدمتها إدارة أوباما لحلفائها الخليجيين بانها لن تتخلي عنهم. فالسعودية تعتبر نفسها خاسرة في أي تقارب إيراني غربي وهي التي راهنت علي حرب أمريكية علي ايران وكانت علي استعداد أن تدفع فاتورة تلك الحرب.. الازمة الاخيرة بين السعودية وايران وضعت امريكا في موقف حرج.. بفعل سياسة التقارب التي انتهجتها واشنطن مع ايران سعيا للوصول باي ثمن إلي اتفاق حول الملف النووي ورغم ان واشنطن حاولت التخلص من هذا الموقف في مواجهة التصعيد الاخير من خلال مناشدة البلدين ضبط النفس لمنع تفاقم الازمة..الا ان الموقف مرشح لمزيد من التداعيات بعد ان صدقت التوقعات التي تري ان الرهان الامريكي خاسر والتي اكدها السفير الامريكي السابق البرتو فرنانديز عندما قال ان المرحلة الجديدة من التوتر بين الرياضوايران تؤكد ان الذين كانوا يقولون انه من غير الممكن فصل الاتفاق النووي عن انشطة ايران الاخري المتعلقة بزعزعة الاستقرار في المنطقة كانوا علي صواب» يحدث ذلك في الوقت الذي تبدو فيه واشنطن في أمس الحاجة إلي السعودية في جهود مكافحة داعش وإنهاء الصراع في سوريا. ورغم ان السعوديين يعارضون قيام إيران بدعم بشار الأسد وقيامها بإرسال قوات من الحرس الجمهوري إلي حلب بحجة حماية المزارات الشيعية إلا أن الحقيقة أنهم متواجدون هناك لحماية بشار. مؤشرات القلق السعودي من السياسة الامريكية تجاه ايران منذ توقيع الاتفاق النووي ظهرت بشكل جلي عندما اختبرت إيران صواريخ باليستية مرتين، ولم تعاقبها الادارة الامريكية. وايضا الأسبوع الماضي عندما أطلقت سفن البحرية الإيرانية صواريخ علي بعد 1500 ياردة من حاملة طائرات امريكية في اختبار واضح لرد فعل واشنطن. ولكل ذلك فان الفترة القادمة مرشحة لمزيد من الغليان بين الطرفين دون اي حسم في المناطق المشتعلة..حيث ستحاول كل من السعودية وايران فرض أمر واقع جديد من خلال تمديد نفوذهما في المنطقة خاصة ان امريكا ستكون مشغولة عنهما في انتخابات رئاسية قادمة وهو مايعني انه لن يكون هناك قرار أمريكي حاسم بفض الاشتباك بينهما وإذا استبعدنا الصراع المسلح المباشر فإن كلا الطرفين سيحاول استنزاف الآخر في صراع غير مباشر بدءًا من خفض أسعار البترول وانتهاءً بتصفية الحسابات في اليمن وسوريا.