هز وجداننا، ذلك المشهد الرائع، عندما قرأ المتحدث باسم المجلس الأعلي للقوات المسلحة الفقرة التي يحيي فيها المجلس شهداء ثورة 52 يناير، ثم توقف ليؤدي التحية العسكرية، مع لحظات صمت بليغة إجلالا لأرواحهم الطاهرة. طبعا.. فمن أعرف بقدر الشهداء من قواتنا المسلحة. وبهذه المناسبة، لا تكفي دقائق الحداد التي وقفت هنا وهناك. وإنما، بعد الحصر الكامل لأسماء الشهداء، ومع استمرار التحقيقات لتحديد المسئولين عن اراقة دماء متظاهرين مسالمين، فإنه لابد من جنازة وطنية كبري، يحدد موعدها، تتقدمها موسيقات الجيش والشرطة، ثم صور الشهداء يحملها زملاؤهم، محاطين بصفين من حملة باقات الزهور، جنازة صامتة جليلة، ليس فيها إلا شعار واحد مكتوب: »المجد والخلود لشهداء الحرية«. تغطيها كل وسائل الاعلام، وتنتهي في ميدان التحرير بالقاهرة، وأكبر الميادين في الاسكندرية والسويس وأسيوط، لتبقي صورتها وصورهم في ضمير شعبنا، وأجياله القادمة، ويشهد العالم وفاء المصريين لمن ضحوا بأرواحهم من أجل مستقبل أفضل لهم. كل القنوات الحكومية والخاصة، حتي تلك التي تذيع الأغاني أياها.. أعادت بكثافة، إذاعة الاغاني الوطنية، الله.. هذه الاغاني التي كنا نشيح بوجوهنا وآذاننا عنها، لأنها لا تتطابق مع حالة التدهور والنكوص والانكسار التي صرنا فيها.. حتي لم تعد هذه الأغاني إلا برو باجندا كاذبة، لتجميل حال ليس جميلا. الآن نسمعها بمشاعر مختلفة. أصبحت.. »يا حبيبتي يا مصر« التي كنا نبكي عندما نسمعها، حسرة علي مصر.. أصبحنا نسمعها ونحن فخورين مبتهجين. وبينما كنا نسمع »المصريين أهمه« ونحن نهز اكتافنا ساخرين بمرارة.. ونحن نري المصريين يموتون في طوابير الخبز. الآن اصبح المصريون فعلا، وبشهادة الدنيا كلها.. كلهم فعلا عزيمة وقوة..
من أجمل الكلمات التي سمعناها يوم 11 فبراير، ما جاء في البيان رقم 3، والتي أكدت أن المجلس الأعلي »ليس بديلا عن الشرعية التي يرتضيها الشعب«. لقد أثلجت صدورنا، لأنها قالت بوضوح أن الديمقراطية التي ضحي من أجلها الشباب.. قادمة حتما. أما أجمل الكلمات التي كانت تلك التي شهد بها الرئيس الامريكي باراك علي عظمة المصريين، عندما قال: »مصر لن تعود أبدا كما كانت، لأن الشعب قال كلمته ويطالب بديمقراطية حقيقية« شاهدنا المحتجين يهتفون سويا، مسلمين ومسيحيين.. كما رأينا جيلا جديدا يستخدم ابداعه ومواهبه في التكنولوجيا التي حركت ثورة الشباب«، »رأينا قوات مسلحة لا تطلق النار علي المتظاهرين«، »مصر الديمقراطية«، ستقدم دورها في القيادة المسئولة ليس في مصر وحدها، بل في العالم كله«، لقد لعبت مصر دورا مهما في تاريخ الانسانية منذ 6 آلاف سنة«. أحد المصريين قال ببساطة معظم الناس اكتشفوا ان لهم قيمة.. وهذا أمر لا يمكن ان يؤخذ من المصريين بعد ذلك أبدا. هذه هي قوة الكرامة الانسانية.. الصرخات التي سمعناها مع العالم من ميدان التحرير.. كلمة تحرير تعني الحرية.. »المصريون استطاعوا أن يغيروا بلادهم، وبذلك غيروا العالم كله«. ياه.. يا مصر.