خطوات تحميل التقييمات والأداءات الصفية والواجبات المنزلية من موقع وزارة التربية والتعليم    طلاب التربية الخاصة ب«تعليم البحيرة» يصعدون لنهائيات الكرة الخماسية    محظورات فى قانون مزاولة مهنة الصيدلة، تعرف عليها    رئيس الأركان يشهد المرحلة الرئيسية للتدريب المشترك ميدوزا -13باليونان    وزير الإسكان يتابع نتائج حملات إزالة المخالفات والظواهر العشوائية ب 4 مدن جديدة    محافظ الفيوم: المبادرات الرئاسية تعكس رؤية القيادة فى تطوير مجتمع متقدم    الصناعة: إصدار شهادات الإشراف الصحي والصلاحية للمنتجات الغذائية مطلع 2025    الرئيس الإيراني يزور مكتب حماس في طهران.. لهذا السبب    عودة الكهرباء لكوبا بعد 4 أيام من الظلام الدامس    روسيا.. هجوم أوكراني خطير بالقرب من محطة زابوروجيا للطاقة النووية    الزمالك يستأنف تدريباته استعدادًا لنهائي السوبر    الأرصاد الجوية تزف بشرى للمواطنين بشأن طقس الأيام القادمة    تواجد أمنى مكثف بمحيط جنايات مطروح قبل جلسة محاكمة اللاعب أحمد فتوح (بث مباشر)    تجديد حبس سائق بتهمة التحرش بسيدة في مدينة نصر    وزير الثقافة يُهنئ رئيس جهاز التنسيق الحضاري لفوزه بجائزة اتحاد الآثاريين العرب    شيرين عبد الوهاب تكتب التاريخ بدخولها موسوعة جينيس.. شاهد إطلالاتها المميزة    أميرة أديب توجه رسالة ل شريف سلامة بسبب مسلسل «كامل العدد +1»    الرعاية الصحية: نستهدف توفير خدمات آمنة لجميع المرضى بوحدات ومراكز الرعاية الأولية    النيران امتدت لمنزلين مجاورين.. إخماد حريق بمخزن تابع لشركة مشروبات غازية بالشرقية    بتهمة القتل الخطأ.. محاكمة أحمد فتوح في جنايات مطروح اليوم    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم بالشرقية    الكرة النسائية.. المدير الفني لفريق سيدات "مسار" يطالب الاتحاد بحلول لظاهرة الهروب من المباريات    «التموين»: طرح بيض المائدة في المجمعات الاستهلاكية بسعر 150 جنيهًا في هذا الموعد    عاجل:- بلينكن يتوجه إلى الأردن لبحث وقف إطلاق النار في غزة بعد مقتل زعيم حماس    لهذا السبب.. جوري بكر تتصدر تريند "جوجل"    النجمات لطيفة وجنات وريهام عبد الحكيم في ضيافة «الليلة العمانية» بالأوبرا    دعاء جبريل للنبي عندما كان مريضا.. حماية ربانية وشفاء من كل داء    بزعم أن ظروف المنطقة انعكست الموازنة .. وزير التموين :التحول من الدعم العيني إلى النقدي    الصحة تنظم جلسة حوارية حول فوائد البحوث التطبيقية في تحسين الرعاية الصحية    «الأزهرى» يشارك فى حفل تنصيب الرئيس الإندونيسى نائبًا عن «السيسى»    بث مباشر على تيك توك.. طبيبة تونسية تنقل عملية جراحية من داخل العمليات (تفاصيل)    اليوم.. وزير التعليم يستعرض خطط وسياسات الوزارة أمام البرلمان    الاحتلال يمنع انتشال الجثامين من تحت الأنقاض في جباليا    اسعار التوابل اليوم الثلاثاء 22-10-2024 في محافظة الدقهلية    عواقب صحية كارثية لشرب كوكاكولا يوميا، أخطرها على النساء    تصل ل 20 ألف جنيه.. أسعار تذاكر حفل عمرو دياب نوفمبر المقبل    صناع عمل "مش روميو وجولييت" يعلنون تأسيس نادي أصدقاء للجمهور    تغطية إخبارية لليوم السابع حول غارات الاحتلال على رفح الفلسطينية.. فيديو    الأمم المتحدة تدين القصف الإسرائيلي العنيف للمناطق الحضرية والسكنية في لبنان    قائد القوات البحرية: مصر نجحت في منع الهجرة الغير شرعية منذ 2016    الجيش الإسرائيلي يعلن القضاء على قيادي في حزب الله في دمشق    اللهم آمين| أفضل دعاء لحفظ الأبناء من كل مكروه وسوء    تجديد عضوية وزارة التربية والتعليم في مركز اليونسكو حتى 2027    دعاء عند نزول المطر.. فرصة لتوسيع الأرزاق    عقوبة تخبيب الزوجة على زوجها.. المفتاح بيد المرأة وليس الرجل فانتبه    ماذا كان يقول الرسول قبل النوم؟.. 6 كلمات للنجاة من عذاب جهنم    المؤتمر العالمي للسكان والصحة.. الوعى في مقابل التحديات    صحة كفر الشيخ: تقديم الخدمات الطبية ل1380 مواطنا بقافلة فى دسوق    رئيس إنبي: لجنة المسابقات ستشهد نقلة نوعية بعد رحيل عامر حسين    من بينهم المتغيبون.. فئات مسموح لها بخوض امتحانات نظام الثانوية العامة الجديد 2025    عضو رابطة الأندية: قرعة الدوري ليست موجهة.. والمقارنة مع عامر حسين «صعبة»    "غرامة وعقوبة وإيقاف".. ماذا يحدث في حالة اعتذار الزمالك عن السوبر؟    عبدالرحيم علي: ضرب المفاعلات النووية الإيرانية أول ما ستفعله إسرائيل في "الرد"    سعر الحديد والاسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 22 أكتوبر 2024    فى منتصف الأسبوع..سعر الطماطم والبصل والخضار بالاسواق اليوم الثلاثاء 22 أكتوبر 2024    هل ينسحب الزمالك من نهائي السوبر أمام الأهلي؟ ثروت سويلم يُجيب    الحلفاوي: "الفرق بين الأهلي وغيره من الأندية مش بالكلام واليفط"    أسامة عرابي: الأهلي يحتاج خدمات كهربا رغم أزمته الحالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
عن العالمي .. أومار شريف
نشر في الأخبار يوم 28 - 07 - 2015

أتوقف اليوم عند مقال هام للاستاذ اسعد أبوخليل نشر في جريدة «الأخبار» اللبنانية.. وصلني عن طريق الاستاذ سامي شرف الذي يزودني مع مجموعة من اصدقائه بمقالات ونصوص هامة تمس قضايانا الهامة.
فيما يلي مقال الاستاذ اسعد ابوخليل المنشور في مجلة الوعي العربي الالكترونية نقلا عن «الأخبار » اللبنانية حول الممثل عمر الشريف وأنشره لأنه يحوي وجهة نظر مغايرة لكل ما كتب بعد رحيله « وكثير من التفاصيل التي وردت في المقال يعرفها الكثيرون».

سمعتُ مثل غيري بعالميّة وشهرة عمر الشريف قبل أن أصل إلي أميركا في عام 1983. وهالني عندما شاهدت بعد وصولي مقابلة معه في برنامج منوّعات صباحي (مرف غريفين، والرجل يميني رجعي موّل حملة ألكسندر هيغ الرئاسيّة عام 1988، وكان معروفاً بليكوديّته وعنصريّته ضد العرب والمسلمين). بدأ غريفن بالسخرية من العرب حول أنهم غضبوا من الشريف وقاطعوه فقط لأنه مثّل مع ممثّلة يهوديّة، وشاركه الشريف في السخرية من العرب بطريقة مُقزّزة ولم يحاول تصحيح فرضيّته. لم يكن الغضب من الشريف بسبب ظهوره مع بربارة سترايسند، ولا بسبب لعبه لدور يهودي. كان السبب الحقيقي ان سترايسند هذه من أشدّ داعمي جيش العدوّ الإسرائيلي، وهي لم تتوقّف عن دعمه بالمال والخطاب عبر السنوات (وقد حضرتْ حفل تكريم لجيش العدوّ بعد العدوان الأخير علي غزة). أي أن الشريف لم يجد غضاضة في الظهور مع ممثّلة كانت تجاهر بتأييدها لجيش العدوّ الذي قتل أبناء شعبه في مصر (حتي لا نتحدّث عن قتل العرب من غير المصريّين). أدركتُ حينها نوع الثمن الذي دفعه الشريف للوصول إلي العالميّة التي لم تطل.
وصل عمر الشريف إلي العالميّة ولعب الحظّ دوره معه، كما كان دائماً يقول: كان في المكان المناسب وفي الزمان المناسب عندما بحث ديفيد لين عن ممثّل عربي يجيد اللغة الإنكليزيّة (وكان عمر الشريف يجيد العربيّة والإنكليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإسبانيّة)، كما كان يجيد تقليد اللكنات. لكن لين اختاره بناء علي صورته: شرح لاحقاً ان العينيْن السوداويْن كانتا فارقة سينمائيّاً لعينيْ بيتر اوتول الزرقاويْن. لا شكّ ان الشريف كان ممثّلاً جيّداً لكنه لم يكن بالضرورة أفضل ممثّلي جيله. ليست العالميّة دليلاً علي التفوّق، ما كل ما يلمع في الغرب هو ذهب، وهناك ذهب في الشرق لا يدري به أحد. قد لا يصل الممثّل السوري، تَيْم حسن، إلي العالميّة لكن مَن ينكر ان موهبته التمثيليّة لا تقل عن موهبة أنتوني هوبكنز أو إيما تمسن أو بريان كرنستن؟ تَيْم حسن وصل إلي العالميّة من دون ان تطأ قدماه أرض الغرب. عمر الشريف كان يقول إن العالميّة لم تكن بالضرورة لصالحه، وكان يردّد ذلك في سنواته الأخيرة. كان يتساءل لو انه كان سيكون أسعد لو بقي في مصر مع زوجته وعائلته وأصدقائه، خصوصاً أنه عاني من الوحدة والوحشة في سنوات الغربة. لكنه في مقابلاته في الستينيات كان يعترف ان العالميّة كانت هاجسه عندما كان في مصر وكان يسخر من الأفلام العربيّة ويقول إنها فقط لاستدرار دموع النساء.
يحق للرجل الخيارات التي أخذها لكن من حقّنا تقييم أفلامه. إن فيلم «لورانس العرب» كان يتطلّب وجود ممثّل عربي، في دور ثانوي (فنيّاً وسياسيّاً). والفيلم، الذي يعتبره النقّاد في الغرب من أفضل الأفلام لأسباب فنيّة وسينماتوغرافيّة، مهين للتاريخ وللعرب علي حدّ سواء. كان علي عمر الشريف ان يقوم بدور العربي المقبول، أو العربي التابع لأن القصّة (الخياليّة منذ أن كتبها لورانس ومنذ أن صدّقها العرب) تضع رجلاً أبيض في الطليعة، والعرب - كل العرب - وراءه. إن دور لورانس كان حاشية أو هامشاً في سرديّة التاريخ لا أكثر، لكن كتاب «أعمدة الحكمة السبعة» كتاب بديع فنيّاً وهو يحتوي علي قطع أدبيّة وعلي دليل حرب العصابات في آن. والفيلم جعل قصّة عن العرب تضع العرب في الخلفيّة، وعمر الشريف لعب دور الخلفيّة بمهارة. هذا كان المطلوب منه. هو مثل ذلك العربي الصهيوني الذي يُدعي إلي شاشات التلفزة في الغرب كي يذمّ العرب (وهناك نماذج مختلفة لهذا العربي في معظم العواصم الغربيّة). لورانس العرب كان عن بطولات الغرب لا عن العرب الذين صوّروا علي أنهم أغبياء ومغفّلون.
لكن سيرة الشريف السينمائيّة كانت واضحة في مراميها السياسيّة، مِن قِبَل مَن قَبِل بدور محدود وموقّت للشريف. فقد عُرض فيلم «لورانس العرب» عام 1962، وعُرض الفيلم الكبير، «دكتور جيفاغو» عام 1965. هذا الفيلم كان ذروة الدعاية الغربيّة ضد الشيوعيّة وتصوير بطولات مَن يعادي الشيوعيّة (حتي المؤلّف، بوريس باسترناك، تعجّب من سوء استعمال الرواية التي لم يقرأ فيها ما قرأته فيها الحكومة الأميركيّة). قد يظنّ أعداء نظريّة المؤامرة أن اتهام الحكومة الأميركيّة بأنها كانت وراء الترويج لقصّة «دكتور جيفاغو» هو مبالغة من أنصار الشيوعيّة العالميّة آنذاك، لكن وكالة المخابرات الأميركيّة قطعت الشك باليقين في السنة الماضية عندما نشرت نحو 100 وثيقة رفعت عنها السريّة لمرور الوقت، ويظهر فيها بوضوح أن الوكالة رصدت عمليّة خاصّة لتهريب ونشر وترجمة وتوزيع كتاب «دكتور جيفاغو» حول العالم (نُشر الكتاب بالعربيّة في لبنان والعراق في 1959) وأنها كانت وراء التأثير علي لجنة «نوبل»، التي منحت الكتاب جائزة الآداب في عام 1958 (يُراجع الكتاب الصادر حديثاً لبيتر فن وبترا كوفي، «قضيّة دكتور جيفاغو: الكرملين والسي. آي. إي والمعركة حول كتاب ممنوع»). لم يكن الفيلم ناجحاً تجاريّاً لكن الهدف كان دعائياً من جملة التحريض التي كانت الحكومة الأميركيّة تديره حول العالم. وعمر الشريف قام بالدور بإتقان ومهارة، وفاز عن جائزة أفضل ممثّل من قبل «غولدن غلوب» (وهي منظمّة تضم المراسلين الأجانب في هوليوود) لكنه لم ينل ال«أوسكار». اتهم الشريف (في ما بعد - أي بعد مغادرته لأميركا) هوليوود بالانحياز ضدّه بسبب أصله العربي، وكان محقّاً في ظنّه، يكفي ان تشاهد لحظة صعوده إلي المنبر في حفل «غولدن غلوب». كان واضحاً أنه لم يكن محبوباً في مدينة لم تحب العرب والمسلمين يوماً.
فيلم «تشي جيفارا»
لكن دور عمر الشريف استنفد مبكّراً: عُرض فيلم «تشي» عن حياة غيفارا في عام 1969، وكان أفول نجمه قد بدأ. لا شك أن الفيلم وجد موقعاً ثابتاً في كل قوائم الأفلام - تلك التي تحصي أسوأ الأفلام في القرن العشرين هو بحق من أسوأ الأفلام (بصرف النظر عن السياسة)، ولم يكن لعب دور الشريف لدور تشي إلا أقلّ سوءاً للعب الممثّل الأميركي، جاك بالانس لدور كاسترو (لكن فيلم عمر الشريف، «بذر تمر الهند» مع الممثّلة جولي أندروز، هو بحق من أسوأ ما مرّ علي الشاشة السينمائيّة). والناقد السينمائي في «نيويورك تايمز»، فنسنت كانبي، لاحظ بحق ان الفيلم مثّل وجهة نظر أعداء تشي غيفارا. والفيلم ينتهي بسماع أصوات معارضي غيفارا. لكن المقطع الذي استحقّ ان يُخلّد في تراث الدعاية الأميركيّة السياسيّة ظهر في لحظة إلقاء القبض علي تشي في الأدغال البوليفيّة عندما يقول راوي الفيلم إن ال«سي. آي. إي» لم تكن مشاركة بتاتاً في عمليّة إلقاء القبض علي الثائر التاريخي.
عمر الشريف عاش تناقضات العربي «العالمي» في الغرب. العربي في الغرب أمام خيارات عدّة:
(1)​ الخيار اللبناني (مع أنه هناك عرب غير لبنانيّين ممّن ينتهج هذا الخيار خصوصاً في السنوات الماضية بعد11 سبتمبر أيلول)، وهو متمثّل في اعتناق الأميركيّة والمزايدة علي الأميركيّين في أميركيّتهم: لو علّقوا علماً أميركيّاً واحداً علي مدخل منزلهم، يعلّق بعض اللبنانيّين علميْن أو ثلاثة.
(2)خيار الصمت والابتعاد عن مشاكل الهويّة والسياسة.
(3) خيار التحدّي: هو ان يحافظ العربي علي هويّته وعلي مواقفه السياسيّة التي جلبها معه من بلاد العرب، وان لا يدع التخويف السائد يؤثّر في تعبيره عن آرائه. عمر الشريف كان في البداية قريباً من الخيار اللبناني، لكنّه تغيّر في السنوات الأخيرة وأصبح يذمّ أميركا بكلام لا تقع عليه إلا في الخطاب الأصولي. (أما المُخرج، يوسف شاهين، فكان في كل زيارة إلي أميركا يقرّع أميركا والصهيونيّة بجرأة نادرة مقارنة بباقي الزوّار العرب)
هو لعب دور البطولة في فيلم «تشي» لكنّه عاد وذمّ الفيلم في السنوات الأخيرة. قال عنه: (بالعربيّة وليس بالإنكليزيّة، وفي مقابلات عربيّة وليس غربيّة) إنه ندم علي الفيلم كثيراً وأنه علم في ما بعد ان الفيلم كان - علي حدّ قوله هو - من تمويل «الفاشست الأميركيّين والمخابرات الأميركيّة» - بالحرف، وكان ينأي عن هذه اللغة في ذم أميركا في كل حواراته مع الإعلام الغربي. حسناً، لنفترض ان عمر الشريف لم يكن يعلم عن أمر تمويل الفيلم، لكن ماذا عن الحوار وعن القصّة؟ هل كان جاهلاً بالرسالة الرجعيّة للفيلم؟ حتماً، لا. كان الفيلم واضحاً في رسالته الرجعيّة ولاحظ ذلك بعض النقّاد هنا.
هو سخر في بداياته وذمّ ما قال إنه معاداة العرب لليهود، ولامَهم علي «مقاطعته» من دون ان يذكر ان المقاطعة كانت سياسيّة وليست دينيّة: لم تكن مُوجّهة لدين بربارة سترايسند، كما ورد أعلاه، بل إلي صهيونيّتها. لكنّه في أحاديثه باللغة العربيّة كان شديد المعاداة لليهود، ولامهم علي محاربتهم له (كما ذكر). كما ان توصيفه لليهود في أميركا كان شبيهاً بالخطاب الكلاسيكي المُعادي لليهود كيهود. كان عمر الشريف يقول في مقابلاته علي الشاشات المصريّة إن اليهود «يسيطرون» علي السينما وعلي كل شيء أيضاً في أميركا. وهو دعا جهاراً إلي توّحد السنة والشيعة وإلي معاداة اليهود عوضاً عن معاداة بعضهم لبعض. هو قال في مقابلة مع «الشرق الأوسط» في 4 يونيو 2004 إن «كل المسيطرين علي السينما ورأس المال في العالم والمنتجين والمخرجين 90% منهم يهود».
السياسة بين خطابين
في السياسة، كان عمر الشريف يغيّر (علي طريقة ياسر عرفات) في خطابه بين لغتيْن: العربيّة والإنكليزيّة. في الإنكليزيّة، كان يقول إن أرييل شارون وياسر عرفات هما سبب الصراع العربي الإسرائيلي وأن إبعادهما ضروري من أجل إحلال السلام (كتبت صحفيّة إسرائيليّة هذا الأسبوع انها عندما صدفت عمر الشريف في القاهرة في الثمانينيات أصرّ علي أن تلتقط صورة له مع إسرائيليّة). وكان يحمّل عبد الناصر المسؤوليّة عن حرب 1967 (وكان يسمّيها «حرب الأيّام الستّة») فيما لم ينكر حتي غلاة الصهاينة في الإدارة الأميركيّة عام 1967 ان العدوّ الإسرائيلي هو الذي أشعل تلك الحرب. وكان عمر الشريف يروي بتحسّر ان الأميركيّين «إتّريقوا» (سخروا) منه عام 1967 بسبب الهزيمة العربيّة. لكن السؤال: لماذا سمح عمر الشريف للأميركيّين بالسخرية منه؟ تعامل الكثير من العرب هنا مع هزيمة 1967 علي أنها مناسبة لشحذ الهمم ولمواجهة الحركة الصهيونيّة. لم يَدُر هذا في خلد عمر الشريف.
والرجل الذي بات يقول في السنوات الأخيرة إنه حورب في أميركا لم يكن يتعاطف مع أيٍّ من الشعوب المقهورة حول العالم. هو وجّه رسالة عن الإخاء بين المسلمين (الصوفيّين، لأن غيرهم ليسوا لائقين) واليهود (في فيلم «السيّد إبراهيم») لكنه لم يتعاطف مع الشعوب المقهورة حول العالم، ولا مع الحركة النسائية. هو صفع مُعجبة مصريّة علي وجهها أمام الكاميرا قبل سنوات (من المُستبعد انه كان ستيجرّأ علي صفعها لو أنها كانت أوروبيّة أو أميركيّة)، كما أنه اعتدي بالضرب علي عامل مكسيكي فقير في بيفرلي هيلز ووصفه بأنه «مكسيكي مُغفّل» (ثم حاول رشوته بخمسين دولاراً بعد ان استدعي الشرطة). لكن هوفيك حبشيان (في المقالة المذكورة أعلاه في «النهار») يُطمئن القارئ ان الشريف بالرغم من اعتداءاته هذه «يحمل قلب طفل». وكلام عمر الشريف عن زميلاته في المرحلة المصريّة من بداياته السينمائيّة كان غير لائق: وصف كل نجمات السينما في مصر بأنهنّ «غير جميلات». حتي هند رستم، قال إنها لم تكن جميلة. لكن له أن يعبّر عن رأيه كما يشاء.
آرائه في الدين والعربي
وفي الدين، كان يتقلّب. هو مسلم في مقابلاته بالعربيّة، ومُشكّك وبعيد عن الأديان المنظمة في حواراته مع الإعلام الغربي. هو فخور بحفيده اليهودي في مقابلات مع الإعلام الغربي، لكنه يصرّ في مقابلاته العربيّة علي أن الحفيد هذا مسلم. الدين هو شأنه الخاص، طبعاً، لكن عمر الشريف أفرط في محاولاته أن يمالئ الصهاينة في الغرب، واقترب من الاعتراف هذا في مقابلات منشورة له. وكان في المقابلات الغربيّة يلوم الغرب علي «فرضه للديمقراطيّة» علي العرب لأنهم - برأيه - قبليّون ولا تلائمهم الديمقراطيّة. هذا كان رأي عمر الشريف في شعبه، وهذا يساعد في فهم دور عمر الشريف في هوليوود.
بالرغم من الحماس والمنافسة الشديدة التي تعتمر في نفوس فناني مصر ولبنان حول العالميّة (حدّثني قبل سنوات المُخرج هاني أبو أسعد عن فكرة فيلم يضع فيها العالميّة في سياقها الحقيقي ومآل الخيبة فيها)، فإن تجربة عمر الشريف لم تكن مُشجّعة. هل عمر الشريف هو الذي اختار طوعاً مسار الأفول بسبب ولعه بالقمار وفرّط في موهبته (كما كتب سمير عطاالله الذي قارنه بتجربة كرستوفر بلامِر الذي لم يتوقّف عن الإبداع) وابتعد عن الإنتاج الغربي، أم أن إبعاده عن الإنتاج الغربي هو الذي أثّر في مسار حياته (الفنيّة، إذ إن مسار حياته الشخصيّة لا يعنينا في شيء)؟ هو كان يتحدّث عن الغرب بمرارة في سنواته الأخيرة ويصف معظم أفلامه ب«الزبالة» لأن الحاجة الماديّة (بسبب القمار) كانت تدفعه لقبول أفلام تجاريّة هابطة، وفي أدوار جدّ ثانويّة.
«نيويورك تايمز» في مرثيّتها عنه وصفت نجوميّته بأنها كانت «موجزة»، وفي هذا تحديد دقيق لتجربة ألهبت خيال الكثيرين والكثيرات في العالم العربي، وغذّت خيال معظم الفنّانين والفنّانات. الممثّل السوري، غسّان مسعود، اقترب من العالميّة في دوره في فيلم «مملكة السماء» وتعامل مع دوره ومع التجربة بوقار وحرفيّة واحترام (لنفسه ولجمهوره) لكن التجربة، فنيّاً وسياسيّاً لم تكن مشجّعة. الفيلم أهان حقائق التاريخ وصوّر المرتبة الحضاريّة للصليبيّين علي أنها كانت متفوّقة علي العرب (يجب الرجوع إلي رواية أسامة من منقذ في «كتاب الاعتبار» وهو يروي ما حدث مع حاكم المُنيطرة الصليبي في مسألة تتعلّق بالفارق بين الطب الأوروبي والعربي آنذاك). كما ان الفيلم تجاوز عن قصد المجازر ضد اليهود التي وقعت علي أيدي الصليبيّين عندما اقتحموا القدس. ويقدّر ابن الأثير عدد الذين قُتلوا في المسجد الأقصي ب70,000 (مرجع تاريخي غربي ذكر عدد 65,000). (يجب العودة إلي كتاب جميس رستن، «محاربون في سبيل الله»، لأنه صحّح المغالطات الغربيّة عن الحروب الصليبيّة.
لا شكّ ان عمر الشريف ترك إرثاً من الأفلام العربيّة والغربيّة، وأن أعماله ستجعله معروفاً لأجيال مقبلة. لكن شهرته في العالم العربي - وهنا المفارقة - كانت بسبب أعماله الغربيّة أكثر من أعماله العربيّة. إن الهوس بالعالميّة (وهي لم تكن هاجسه عندما كان يعمل في مصر، كما أوضح أكثر من مرّة) لا يزيد من قيمة الأعمال الفنيّة أو من الموهبة. علي العكس، قد تضرّ وقد يُصاب العالمي بلعنة الثمن الذي يدفعه العربي «المقبول» (المرضي عنه) في الغرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.