اعرف كل شيء عن المكان.. أحب عملك واخلص له.. هناك الكثير لتتعلمه.. ثلاثة دروس تعلمتها في ايامي الاولي ببلاط صاحبة الجلاله.. فعندما خطوت خطواتي الاولي إلي دار «اخبار اليوم» في النصف الاول من ثمانينيات القرن الماضي وكنت طالبا بالجامعة كان من حظي اني تقابلت وتتلمذت علي يد استاذ الاساتذة والكاتب الصحفي الفريد» مصطفي بك أمين».. كان اجتماعنا الاسبوعي يوم الجمعة نوعا فريدا من الاجتماعات يبدأ في العاشرة والنصف صباحا.. ومع كوب الليمون بالثلج يسرد كل منا ما فعله من زيارات لحالات «لست وحدك».. ونقضي نصفه الثاني في حديث شيق عن الحاضر والماضي وتبادل للاراء وابداء الملاحظات لينتهي اجتماعنا في الواحدة والنصف. في يومي الاول اعطاني «مصطفي بيه» كتابا عن اخبار اليوم للناقد الفني الراحل محمد السيد شوشه مازال يجلس علي ارفف مكتبتي وبجواره 22 كتابا للاستاذ مصطفي أمين تشرف صفحاتها الاولي اهداء منه يبدأ بكلمات : «الي تلميذي».. لم تكن تلك الكتب للاهداء ووضعها علي ارفف المكتبة ولكن للقراءة والتعلم.. فكنا في الاسبوع التالي نناقش ما جاء في الرواية ونجد الكاتب العملاق يستمع الينا ويرد علي ملاحظاتنا او يفسر لنا ما لم نفهمه. المهم ان مهمتي الصحفية الاولي كانت في قري بني سويف وشوارع وحارات الاسكندرية.. واتذكر انني ذهبت لمدينة الفشن آخر مراكز بني سويف ونمت ليلتي عند زميل بالجامعة بمنزل اسرته في ببا..وفي اليوم التالي ذهبت إلي احدي قري الوسطي اولي مراكز بني سويف واضطررت ان اسير ما يقرب من 15 كيلو مترا علي قدمي وتعرضت في طريقي لنباح وهجوم الكلاب الضالة والشمس الحارقة.. وكان شعوري بعد ان انهيت مهمتي الاولي «يا ارض انهدي ما عليكي قدي». كانت قدماي يوم الاجتماع التالي تسابق الارض والسلالم واشعر أني اطير بعد نجاحي - كما اعتقدت- بامتياز في مهمتي الصحفية.. جلست منتشيا منتظرا دوري في ان اقرأ ما ابدعته في عالم الصحافة وكتبته في 4 ورقات فلوسكاب قبل ان يعرف قلمي طريق الورق «الدشت « الذي اختفي ايضا هذه الايام مع الكومبيوتر والآي باد وغيرهما من الاجهزة الالكترونية.. بمجرد أن انتهيت من قراءة اول حالة وجدت «مصطفي بيه» يخرج عن صمته ويقول لي: «ده مش صحافة ولا اولي صحافة..ده بدروم صحافة.. انا عايز الكلام ده في نصف ورقه».. فقلت له هكتب الاثنين..فاشار بالموافقة.. وبعد ان تركني فترة قال لنا « عندما كنت ادرس لطلبة الصحافة بكلية الاداب كنت اقول لهم اعتبر نفسك بتكتب تلغراف وكل كلمة ملهاش لازمه هتشلها هتوفر قرش.. شوف بقي لو شلت الكلام اللي ملوش لازمه هتوفر كام «.. وعرفت يومها «كيف تكون الكتابة».