وسط حالة الحزن التي إجتاحت العالم العربي والإسلامي لفراق الملك عبد الله ، غلفت أحزان الفراق حالة القلق من واقع إقليمي غير مستقر والمخاطر التي أصبحت تحيط بكبري الدول العربية من كل إتجاه. ومع مبايعة الملك سلمان ملكا جديدا وبداية عهد جديد للسعودية بصعود الجيل الثاني من الاسرة الحاكمة إلي مراكز الحكم العليا.. تطغي أجندة الملفات الخارجية علي أولويات الملك الجديد واولها علي الاطلاق ملف العلاقات مع إيران. ايران ينظر البعض إلي العلاقات الايرانية السعودية أنها في طريقها للتحسن بعد وفاة الملك عبد الله خاصة ان كثرة الملفات المفتوحة التي تربط البلدين قد تجعل الحوار المباشر ممكنا ومن ثم امكانية التوصل لاتفاق تاريخي يحافظ علي المصالح المشتركة بين البلدين في المنطقة. وقد دفع التقارب الامريكي الايراني مؤخرا في الحرب علي داعش ومحاولة الوصول إلي اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني إلي القول بأن أمريكا الحليف القوي للسعودية ستلعب دورا هاما في ملف العلاقات السعودية الايرانية في المرحلة المقبلة. ولكن هذه النظرة المتفائلة لن تجدي مع تضارب المصالح بين إيران والسعودية فلم تقل المواجهات بين البلدين في السنوات القليلة الماضية بل اتسعت رقعة المواجهات غير المباشرة في كل من العراقوسورياولبنان واليمن والبحرين. والتي تحارب فيها السعودية للحد من التمدد الشيعي والنفوذ الايراني في المنطقة حتي اصبحت اليوم هذه الحرب تحيط بالاراضي السعودية شمالا وشرقا وجنوبا ومن غير المتوقع ان ينتهي كل هذا في القريب او ان تتلاقي مصالح الدولتين لأنهما في الأصل متعارضتان وكل منهما تحمل ايدولوجية عدائية للأخري ولن تتغير برحيل ملك وتنصيب ملك جديد. وقد ظهر الأمر جليا في وسائل الإعلام الإيرانية التي عبرت عن سياسة ايران تجاه السعودية عند حديثها عن وفاة الملك عبد الله ووصفته بأنه كان داعما للتطرف والحركات الإرهابية في المنطقة مثل تنظيم القاعدة وداعش. ولكن هذا لا يمنع من أن الملك سلمان سيعمل علي تجنب أي صراع مباشر مع ايران في الوقت الحالي. مع بقاء التنافس الجيوسياسي بين البلدين الكبيرين علي زعامة العالم الاسلامي بين السنة والشيعة. وكان الموقف السعودي واضحا في اخماد الثورة الشيعية في البحرين عقب ثورات الربيع العربي عام 2011 حيث تحكم العائلة الملكية البحرينية السنية غالبية من الشيعة كما ساعدت السعودية قوات المعارضة السورية في حربها ضد بشار المدعوم من ايران الذي نجح حتي الان علي البقاء في السلطة بفضل مساعدة الحرس الثوري الإيراني وحزب الله الشيعي وهي الحرب التي ادخلت لبنان في دائرة الصراع السعودي الايراني واصبح هناك ازمة سياسية خانقة في البلاد قد تؤدي إلي دخول لبنان لتكون مثلث الجحيم المشتعل في الشام إلي جانب سورياوالعراق. الحوثيون تعد سيطرة الحوثيين علي اليمن بمثابة الانتكاسة الاقليمية للسعودية التي تعتبر جماعة الحوثيين العميل الايراني الذي يهدد حدودها الجنوبية. وقد جاء رحيل الملك عبد الله في وقت شديد الخطورة تزامنا مع اعلان الحوثيين عن سيطرتهم علي شمال اليمن واصبح الملك سلمان مطالبا بإيجاد حل لأزمة جديدة تهدد حدوده الجنوبية اذا وصل الامر في النهاية ان تحكم جماعة شيعية دولة عربية أخري في المنطقة. وخلال السنوات الماضية رغم تأزم الوضع في اليمن لم ترسل السعودية قوات لليمن ولكن عززت من تواجدها الأمني عبر الحدود الجنوبية ورغم ذلك مازال يساورها القلق من سيطرة الحوثيين المدعومين من ايران علي الشمال وفشل المبادرة السعودية في الصمود والابقاء علي الرئيس اليمني والحفاظ علي وحدة اليمن بعد رحيل علي عبد الله صالح. فضلا عن وجود أحد فروع تنظيم القاعدة في البلاد مما يشير لعدم استقرار اليمن في القريب وربما تقسيمها إلي دويلات وفقا للمخطط الأمريكي. لذا ربما تشهد الايام المقبلة مبادرة سعودية جديدة لمنع حدوث سيناريو كارثي آخر في اليمن مع زيادة تأمين السعودية لحدودها الجنوبية لمنع الحوثيين من الدخول إلي اراضيها. داعش رغم اتهام السعودية بدعم داعش لمحاربة الميلشيات الشيعية في العراقوسوريا إلا ان السعودية ابدت في عهد الملك عبد الله عداءا واضحا للجماعة الارهابية التي نصبت نفسها كدولة للخلافة الاسلامية واختارت ابو بكر البغدادي خليفة للمسلمين. وكانت السعودية من اولي الدول المشاركة في التحالف الامريكي الدولي لمحاربة داعش. ويقال ان ابن الملك سلمان كان من بين الطيارين السعوديين الذين شاركوا في ضرب مواقع لداعش في سوريا العام الماضي. وأن سلمان يحمل ملف الدعم السعودي للحركات الجهادية في افغانستان والبلقان منذ الثمانينات وبالتالي هو الاقدر علي التعامل مع خطر تنامي التنظيمات المتطرفة في المنطقة.