مسح صديقي شعر رأسه الذي غزاه الشيب وبدأ في سرد مغامراته قائلا : «ياه.. لقد مر 22عاما علي زيارتي لأرض الالهة والعطور والبخور».. كانت زيارتي لبلاد «بُنت» من أولي رحلاتي الخارجية. تقمص صديقي شخصية هيرودوت وقال: أيام الاستعمار كانت بلاد «بُنت» مقسمة إلي ثلاثة أقسام إحداها فرنسي والثاني إيطالي والثالث بريطاني.. وفي بداية الستينيات استقل الجزءان الإيطالي والبريطاني واطلقوا علي أنفسهم « جمهورية الصومال».. وبعد 17 عاما استقل الجزء الفرنسي مكونا دولة جيبوتي.. حدث نزاع حدودي بين الصومال وكينيا وبين الصومال واثيوبيا تطور مع الاثيوبيين إلي نزاع مسلح وحرب.. وحدث قتال داخلي بين الحكومة الصومالية والحركة الوطنية والقوات التحريرية العشائرية.. وفي بداية التسعينيات تمت الاطاحة بنظام «سياد بري « الذي صعد إلي الحكم بانقلاب عسكري عام 1969 وحكم الصوماليين بالحديد والنار واضطهد القبائل. انتهزت فرصة صمت الرحالة المصري «ابن بطوطة» برهة ليبتلع ريقه واطلب فنجانا من القهوة.. فيستكمل حديثه قائلا: فشلت كل الجهود لاعادة «بري» او لإقامة حكومة دستورية وأعلن الأقليم الشمالي انفصاله وسمي نفسه «جمهورية أرض الصومال» لتدخل بقية الأقاليم والمحافظات في حرب أهلية مريرة ويلقي 30 ألف صومالي مصرعهم «جوعا « في العام الاول منها.. وبواعز من امريكا تتدخل الأممالمتحدة ويصدر مجلس الأمن في بداية عام 1993 قرارا بتشكيل قوات «يونوصوم « لتقديم الإغاثة الإنسانية وإعادة النظام والانضباط إلي الصومال.. وكانت الكتيبة المصرية بقيادة العميد عبد الجليل الفخراني والعقيد مصطفي السيد من ضمن هذه القوات واللذان اصبحا في المستقبل محافظين للاسماعيلية واسوان. ينظر صديقي إلي الوجوه المنصتة اليه ويمسك بورقة وقلم ليرسم خريطة «القرن الافريقي» ويشير إلي بقعة صغيرة علي ضفاف المحيط الهندي ويقول هنا مطار مقديشيو.. هذا المكان قضيت فيه 4 أيام.. كنا ننام في إحدي الحجرات ذات السقف المرتفع وعلي السقف وفوق الحوائط نشاهد زواحف ضخمة شبيهة بالسحالي لونها أخضر.. فالمطار هو مركز تجمع القوات وفي كل بقعة منه تشاهد الطائرات المدنية الصومالية محطمة ومحترقة.. خرجنا في جولات بالمدينة ثلاث او أربع مرات كلها في عربات مدرعة ما عدا واحدة زرنا فيها سكان بعض العشش الخشبية التي لاتقي من حرارة شمس خط الاستواء.. ولا تحمي من الامطار المنهمرة دائما. يفتح «ابن بطوطة» صندوق ذكرياته قائلا : في مدينة مقديشيو شاهدنا مصير الانقسام والاختلاف ونشوب الصراع علي الحكم والحرب الاهلية فالمنازل محطمة والمصانع مخربة والمحال منهوبة والناس عراة او بملابس مهلهلة لاتجد ما تأكله. ينظر صديقي إلي ساعته التي تخطت منتصف الليل ويقول المرة القادمة سأحكي لكم عن ترحيب الصوماليين بالقوات المصرية وكيف أذاقوا الامريكان مرارة التواجد علي أرضهم.