محمد يرمى الشباك لكى تعود بالرزق من النيل تجد مراكبهم تتراقص مع نسمات الهواء.. وقت الغروب..منهم من يلون قاربه بالأخضر والاحمر واحيانا الاسود وسط مياه النهر الزرقاء. تنظر إلي اليمن فتجد الاشجار تتراقص علي الشاطئ وتنظر إلي اليسار تجد زبائن ينتظرون أن تعود تلك القوارب لكي تبيع لهم الاسماك.هذه الصورة ليست لوحة فنية ولكن هذا هو الواقع علي جانبي النيل وتحديدا في منطقة الوراق.. حيث يصطف اصحاب القوارب وفي أعينهم نظرات المواساة متبادلة لأن حصادهم قليل بعد جهد شديد وعمل شاق.. لأن الاسماك قليلة والتزاماتهم كثيرة..حياتهم تبدأ في الخامسة فجرا حيث تجدهم يبدأون «رمي» الشباك لكي يعود برزق الله من النيل..يقول أحدهم ويدعي محمد كارم : «أنا صياد علي باب الله أخرج يوميا في الخامسة فجرا وأمضي أكثر من 12 ساعة يومياً في النيل.. قاربي بسيط لا يوجد به سوي «براد شاي « واحيانا بعض ارغفة العيش البلدي مع الجبن.. رزقي يوم بيوم.. انزل البحر صباحا وأعود في المساء وأبيع ما اصطاده للزبائن التي تنتظرني علي الشاطئ. متوسط دخلي اليومي بين70 و80 جنيها اقتسمها مع العامل الذي يعمل معي علي القارب فيكون نصيبي 35 جنيها.و احيانا نرمي الشبك منذ الساعة الخامسة فجرا ونعود بلا سمكة واحدة. لكنني مؤمن جدا بانها ارزاق وبالتالي ارضي بما يقسمه الله لي.أخرج للصيد مرتدياً «سديري وقميص وطاقية تقيني من الشمس.واستعين في الشتاء بملابس ثقيلة لأتحمل البرد الشديد وسط النيل.وحول اسباب اختياره مهنة الصيد..يقول محمد : جربت العمل بمهن اخري كثيرة الا انني لم أستمر لأن الرواتب ضعيفة فلم تسمح لي الظروف بالحصول علي شهادة دراسية ولذلك قررت ان اعمل في صيد الاسماك ومنذ 18 عاما وانا اعمل في هذا القارب. وحول المواصفات المطلوبة لمن يرغب في العمل بالصيد اوضح ان مهنة الصيد تحتاج إلي مواصفات معينة علي رأسها الصبر والتحمل لانك تظل واقفا علي قدميك اكثر من 5 وأحيانا 7 ساعات تزداد المعاناة في فصل الشتاء حيث يكون الجو شديد البرودة وربما تسقط الامطار الغزيرة مما يلزم توافر القدرة علي تحمل كل الظروف. اما عن المخاطر التي يتعرض لها الصياد في مهنته فهي كثيرة كما يقول محمد مضيفا : لقد كنت علي اعتاب الموت في مواقف كثيرة كان اكثرها صعوبة بالنسبة لي عندما قمت بالنزول تحت عبارة لكي اصطاد سمكتين كبيرتين بيدي وبالفعل وصلت اليهما وامسكت بهما ولكنني لم استطع ان اعود إلي القارب مرة اخري لان العبارة تحركت وظللت اسفلها لا اعرف من اين اعود؟! ودعوت ربي وجسدي يرتعش وقلت له «يارب انت عالم بحالي وانا اب لاربع عيال ولو مت محدش هيصرف عليهم وانا متغرب وجاي من الفيوم عشان اوفر العيش لأولادي « وبالفعل بعد دقيقة ونصف تحركت العوامة بسرعة وعدت إلي قاربي بعدما اعتقدت اني « شفت الموت بعيني « فسجدت فور خروجي للشاطئ حمدا وشكرا لله الذي انقذني من موت محقق..مضيفا ان اكل العيش «مر» للغاية ففي بعض الاحيان يقوم بالنزول علي الجزر الصغيرة جدا التي توجد وسط النيل وما ان يقف عليها فاذا بها تنهار ولولا توفيق الله وقدرته علي العوم لتعرض للخطر. اما عن الخرافات التي نسمعها حول النيل ليلا فيقول محمد : رغم بقائي في البحر ليلاً لم أر أي كائن خرافي زي اللي بنسمعها في الحكايات والحواديت القديمة.و يضيف محمد ان افضل الشهور لدي الصيادين هو شهر مارس الذي يعد موسم الزواج بين الاسماك وتكثر فيه الاسماك ويكون الرزق فيه «عال العال» مؤكدا ان الشيء الوحيد الذي يغضب اي صياد هو ان يري الاسماك نافقة بسبب القاء المصانع لمخلفاتها في المياه او تجريف الشط الذي يقلل تجمع الاسماك مشيرا إلي ان الامنية الوحيدة للصيادين ان يحصلوا علي تأمين صحي جيد يضمن لهم حياة كريمة بالاضافة إلي القضاء علي سيطرة اصحاب المزارع علي الزريعة حيث يحققون من ورائها ثروات بملايين بينما لايجد الصيادون المساكين مايكفي ضرورات الحياة لأسرهم.