مصر ليست وطنا نعيش فيه ولكنها وطن يعيش فينا " هذه الكلمات البسيطة في بنيتها.. العظيمة في معناها كانت دليلا لا ريبة فيه ولا مساومة علي حب البابا شنودة لوطنه وأبناء وطنه مسيحي ومسلم لا فرق، ولم لا وهو شخصية دينية مصرية رفيعة المستوي خلقا وعلما ودينا، وأحسبه وطنيا مصريا خالصا لا تشوبه شائبة، فهو بابا العرب ورمز الأقباط في مصر وأحد أصحاب المواقف التي لا تنسي في التاريخ المعاصر، ولقداسته مواقف واضحة في حماية الشأن المصري من أي تدخل خارجي. والمتابع لتاريخ البابا كزعيم للكنيسة الأرثوذكسية المصرية وإفريقيا لابد أن يتشرف به وبكونه مصريا ويعجب بشخصيته الفريدة المتميزة ووطنيته وإخلاصه وحبه لتراب مصر، وتمتعه بغيرة شديدة علي شعبه ومصريته، ففي العقود الثلاثة الماضية كنت متابعا لنشاط قداسته -أطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية- فوجدته إنسانا تمتع بفلسفة عبقرية في التعامل مع المواقف والأحداث، فكان علي كل الأصعدة فوق كل الصغائر. ولكن جاءت الأحداث الدامية والمؤسفة والمحزنة للشعب المصري لتعمق أحزان الرجل وآلامه .. من فئة ضالة آثمة أرادت هدم جدار الثقة بين أبناء الشعب الواحد .. في عيدنا جميعا ميلاد السيد المسيح . ولكن قداسته صاحب المكانة الرفيعة لدي كل المصريين كعادته وهو صاحب التاريخ والمواقف الوطنية أدرك حجم المؤامرة علي الوطن .. فتجاوز وارتفع فوق الأحزان .. وطالب الدولة المصرية وأجهزتها المسئولة عن أمنها القومي بسرعة ضبط الجناة والقصاص لشهداء مصر .. وأن احتفالات أعياد الميلاد قائمة مهما كانت الآلام والأحزان .. فأحبط جزءاً كبيراً من المؤامرة علي استقرار الوطن. يجب أن يكون التعامل مع مثل هذه القضايا باتا ولا يدع مجالا للقيل والقال والتدخلات التي دائما لا تقدم إلا إشاعة البلبلة وتأجيج نيران من الممكن بقليل من الحنكة والروية حلها في إطار ضيق قبل تفاقمها، إنني مع قداسة البابا في التعجيل بإصدار الأحكام في القضايا العالقة، خاصة قضية نجع حمادي وأحداث العمرانية إما بإدانة المتهمين أو البراءة والبحث عن الفاعل الحقيقي، وإعمال القانون أيا كانت النتائج وعرضها بأمانه علي الرأي العام. أما سياسة الصلح غير القائم علي تصفية الخلاف واجتزازه من جذوره فلا جدوي منها ولا تأتي بخير، أما المكاشفة والمصارحة والحيادية ومعاقبة المخطئ هي مقومات الصلح الحقيقي، وغير ذلك ما إلا تضييع للوقت. مصر الآن مقدمة علي مرحلة حرجة تحتاج للعمل الجاد والمخلص ، لا فرق بين مسيحي ومسلم والعودة الي زمن الهلال مع الصليب ، فكلنا تربينا معا وعانينا معا وحاربنا معا وعشنا أفراحنا وأتراحنا معا.. فلم الخلاف؟! فهناك من يتلاعب ويتآمر علينا، بدءا من الجار القريب وممن يصفون أنفسهم بالأصدقاء غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً حتي الأبناء المغتربين فقلة منهم يتهمون قداسة البابا بالتساهل والتفريط في حقوق الأقباط في مصر ، ولكن أفعالهم تلهب مشاعر الأغلبية التي تعيش علي ارض مصر وتتفاعل مع بعض المتآمرين علينا إما عن جهل أو علم وتنعكس آثارها علي الشعب الطيب الآمن . الحقيقة أن قلبي يعتصر حزناً وألماً .. علي شهدائنا وجرحانا .. أثناء الاحتفال بأعياد الميلاد في كنيسة القديسين بالاسكندرية .. أما عن انزعاجي الشديد أن هذه العملية الارهابية لا تستهدف رواد الكنيسة .. ولكنها تستهدف مصر مبارك . ولذا فرسالتي الأولي هي للمسئولين عن أمن مصر القومي أن يتداركوا .. أن هذا السيناريو يعيدنا.. ولا بد بالضرب بيد من حديد علي المتورطين في هذا السيناريو .. حرصاً علي مصر كلها . ورسالتي الثانية إلي قداسة البابا ونحن مقدمون علي أعياد الميلاد المجيد : أقول لقداستك إنك أكبر بكثير من الغضب وهذا قدرك، فأنت راع لشعب يحترم الآخر ويحب السلام والأمان، أنت قلب هذا النسيج المصري الأصيل، فقداستك لست ملكا للمسيحيين فقط.. بل ملك لكل المصريين، إننا نثق فيك وفي حكمتك ووطنيتك ودعمك لمسيرة هذا الوطن وحبك للسيد الرئيس مبارك الذي يفني حياته من أجل الدولة المدنية المصرية الديمقراطية التي أساسها العدل والمساواة بين الجميع ولعل لقاء المحبة مع فخامته الاسبوع الماضي أكد لقداستك الحب الذي يربط فخامته بأبناء شعبه .. وأخيرا فالبقاء لله في شهداء مصر وكل عام وقداستكم بخير.