منذ أكثر من ثمانية عقود قال الزعيم المصري الراحل سعد زغلول وهو علي فراش الموت جملة لزوجته السيدة صفية بعد أن طلبت منه تناول الدواء: "مفيش فايدة.. غطيني يا صفية"! وصارت هذه الجملة حكمة عربية في هذا الزمن العربي الردئ, تعبر عن الإحباط والخيبة والفشل واليأس من كل شيء. وفي العراق تم تعريق الجملة باللهجة العراقية لتصبح "ماكو فايدة". وفكرت في العام الماضي باطلاق حركة الكترونية لفضح الفساد الحكومي في العراق تحمل اسم "ماكو فايدة" ولكني تراجعت بعد أن لاحظت أن الناخبين العراقيين في انتخابات مجلس النواب عاقبوا نواب الفساد بعدم تجديد انتخاب معظمهم، مما يعني بالعراقي "أكو فايدة" أي بالمصري "فيه فايدة". إلا أن الدكتور يونس حنون، وهو طبيب عراقي، ظل صامداً في العراق سنوات ولم يهاجر متحملاً فقدان الامان وانعدام الخدمات الي ان فقد الامل فصرخ علي طريقة العالم أرخميدس: ماكو فايدة! يقول الطبيب يونس حنون: "ماكو فايدة" آخر كلمتين نطق بهما العبد الفقير لله يونس بن حنون وهو يغادر البلد الذي عاش فيه 45 عاما دون ان يبرحه ثانية واحدة بعد صراع مرير مع كاتمي الانفاس وغربان الموت ممن جاءوا باسم الديمقراطية ليذبحوها، فقررت الفرار بجلدي قبل ان تفلت من لساني كلمة حق توردني موارد الهلاك. لاول مرة في حياتي اري مطارا. ولاول مرة في حياتي يكون لي جوازسفر دفعت فيه 700 دولار رشوة عدا ونقدا وانا الممنون، لانه كما قال من احضره لي يحمل حرف جي. هذا الحرف الانجليزي الذي اصبح الهوية الوحيدة المعترف بها للعراقي خارج اسوار الوطن. تركت البلد للجلادين والذباحين واللصوص الذين جاءوا من وراء الحدود ليصبحوا أسيادا علي انا الذي أكلت دقيق الحصة التموينية المخلوط بالتراب 13 عاما خلال سنوات الحصار. تركت البلد للمتخلفين والجهلة من حملة الشهادات المزورة لانهم افهم مني انا الطبيب الذي قضيت ثلاثين عاما في الدراسة. تركت البلد الذي اودع فيه البشر عقولهم خزانات مقفلة وسلموا مقاليد التفكير الي اي دجال من الملالي يأمر وينهي. تركت البلد للبهلوانات والمهرجين الذين جعلوا من العراق "سيركا" تتراقص فيه القرود و تستعرض الوحوش المدربة افانينها. ظننت اننا اكبر من الطائفية.. فخاب ظني. ظننت اننا اكبر من الاحقاد فهزمتني الكراهية. ظننت اننا اكبر من الخوف وها انا افر مذعورا. ظننت اننا اكبر من الجهل فتولي الاميون مقاليد الحكم. لم يبق هناك عراق لأنتمي اليه. فمياه الرافدين جفت، وجبال كردستان تتهاوي فوق رؤوس اهلها، ودواوين السياب والجواهري احترقت، ولوحات جواد سليم مزقت، واغاني ناظم الغزالي منعت، فلمن أقرأ وعلي ماذا أتفرج ولمن أستمع؟ ادارت الطائرة انفها نحو السماء وبدأت التحليق وانا اسمع في مذياع عقلي اغنية لكاظم الساهر الذي ادرك هذه الحقائق قبلي بكثير وهو يقول. لم يعد صدر الحبيب موطني.. لا ولا ارض الهوي المذبوح ارضي.. لم يعد يمكن ان ابقي هنا.. فهنا يبكي علي بعضي بعضي.. حقاً.. ماكو فايدة! كاتب المقال: كاتب عراقي