الذي أقامه المكتب الخاص للسيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة السوداني يوم السبت الماضي الموافق الخامس والعشرين من شهر ديسمبر بمنزل الإمام في حي الملازمين بأم درمان بمناسبة الذكري الخامسة والسبعين لميلاده، كان له هذا العام طعم خاص. ولم تكن هذه الخصوصية بما اختصه به السيد المهدي من اسم »نهارية المصير الوطني« ليلائم الحال الذي عليه السودان وهو يقدم علي خطوة باتت شبه معلومة الملامح، بعد أن أصبح الراجح وبنسبة كبيرة جداً أن يختار الجنوبيون في استفتاء تقرير المصير الانفصال عن الشمال وتكوين دولتهم المستقلة فحسب، ولكنه يكتسب هذه الأهمية أيضاً بما تهيأ له الناس وقد سبقته ارهاصات عديدة، منها خيارات السيد المهدي لمصيره الشخصي بعد السادس والعشرين من يناير القادم، وهو حصره بين اعتزال السياسة أو الانضمام لصف المعارضة العاملة من أجل إسقاط الحكومة بكل الوسائل والسبل في حال رفض المؤتمر الوطني توسيع دائرة الحكم بإشراك الآخرين في حكومة قومية تتصدي لمشاكل البلاد الكبري التي تنجم عن انفصال الجنوب عن الشمال. ومعلوم أن نائب رئيس المؤتمر الوطني الدكتور نافع علي نافع قد قطع بعدم استجابة حزبه لطلب توسيع دائرة المشاركة، ووضع بذلك السيد المهدي أمام خيارين فقط يمكن أن يختار بينهما من الآن دون الحاجة للانتظار حتي ذاك الوقت الذي قد يري بعيداً رغم قرب أيامه. ونهارية المصير التي ضمت حشداً مقدراً من أهل السودان المهتمين بالشأن العام من كل القوي السياسية المؤيدة والمعارضة كانت فرصة لقراءة موضوعية للمصير الوطني، ولقد أعان السيد الصادق المهدي الحاضرين حينما قدم ورقة شاملة ومكتوبة بدقة وعناية استوعبت رأيه ورؤاه في كل قضايا الساحة السياسية في السودان. ولقد وجدت الورقة قد استوعبت كل الملاحيظ التي قيلت تعليقاً علي خيارات السيد الصادق المهدي التي طرحها من قبل. وهي رغم ما قدمت من انتقادات حادة للحكومة ولحزبها الغالب المؤتمر الوطني ركزت علي ضرورة الحل الوطني القومي بعيد النظر الذي يقدم مصلحة الوطن علي أية مصلحة أخري لكل القضايا التي تطرقت لها. ولقد ذكرني هذا بموقف سابق للسيد المهدي وهو الذي أفضي إلي مشروع التراضي الوطني الذي تم طرح فكرته الأولي في مصر، وكنت متابعاً للحظات المخاض، وشاهداً علي الميلاد الأول. وذلك هو الدور الذي نجد أن الصادق المهدي أنسب من يقوم به، ويقوم له لو توافرت الظروف اللازمة لذلك. وخيارا الصادق المهدي اللذان طرحهما من قبل لا يشبهانه، فلا يشبهه القعود، ولا يشبهه كذلك الدخول في صف المتوترين. ثم أن رجلاً في مقام الإمام الصادق المهدي يقود ولا يقاد، ولن تتوافر له القيادة إذا انضم إلي حكومة قومية يقودها غيره، ولا تتوافر له كذلك إذا صار إلي معارضة تكونت خارج دائرة أفكاره القديمة الراسخة، القائمة علي التراضي وقبول الآخر. ولقد حمدت لورقة رئيس حزب الأمة التي قدمها في يوم عيد ميلاده الخامس والسبعين أنها تحاشت الحديث عن الخيارات السابقة. فذلك مناسب للرجل. والذي أراه أنسب أن يعتزل السيد الصادق الموقع التنفيذي في الحزب فيتخلي عن رئاسته ويكتفي بإمامة الأنصار وقيادة كيانهم، ويفتح الحزب لكل تيارات »الأمة« الاصلاحي منها والتجديدي والجماعي وغيرها ليبنوا كياناً واحداً يعيد ذكري الأمجاد التليدة، فمثل هذا الموقف يجعله بعيدا وليس ببعيد، فيكون بعيداً عن المواقع التنفيذية في الحزب، والأقرب للمساهمة في صنع القرار. فمثل هذا الموقف يمكنه من قيادة مبادرات كبري للحزب والوطن، ويجعل منه نموذجاً لغيره. فمثل هذا الموقف يمكن أن يعين مولانا السيد محمد عثمان الميرغني علي اتخاذ غيره، فيتخلي عن رئاسة الحزب الاتحادي الديمقراطي ويكتفي بقيادة هيئة الختمية، وقد يحذو حذوهما أيضاً الدكتور حسن الترابي في المؤتمر الشعبي. ولن نقول أن يفعل المشير البشير مثلهم ويتخلي عن قيادة الحزب، ولكن نقول أن يعتبر الرئيس البشير هذه الدورة الرئاسية هي الأخيرة له في الحكم ليقدم الحزب مرشحاً غيره لرئاسة الجمهورية في الانتخابات الرئاسية القادمة بإذن الله تعالي.