الكتابة هي علم وفن، وهي علم له أصوله، وهي فن يعتمد علي الموهبة. ولهذا برع كتاب ومفكرون أحيانا، رغم عدم حصولهم علي المؤهلات الأكاديمية، ومن هؤلاء الكاتب المصري المشهور عباس محمود العقاد وغيره. والكتابة هي علم له قواعده التي تختلف وفقا لطبيعة الكتابة والهدف منها. الكتابة الدبلوماسية هي نوع من أنواع الكتابة بوجه عام، والتحليل العلمي للكتابة الدبلومايسة يقتضي أن نشير إلي ثلاثة أمور: الأول: هدف الكتابة. الثاني: مضمون الكتابة. الثالث: وجهة نظر الكاتب. والكتابة الدبلوماسية لها أنواع متعددة مثل البرقيات، التقارير، التحليلات، وكل من هذه الأنواع له طابع سري أو غير سري وفقا لطبيعة المعلومة المتضمنة أو التحليل المشمول في الكتابة، وهذه الأمور لها قواعدها المحددة والمعروفة لدي الدبلوماسيين، كما أن لها جانبا تقييميا شخصيا لدي كاتب الرسالة أو التقرير أو التحليل. وننتقل إلي هدف الكتابة الدبلوماسية، وهناك نجد أربعة أهداف: اما نقل معلومة، وإما نقل وجهة نظر للتحاور، وإما تقديم تحليل أو قراءة خاصة للدبلوماسي، وإما تقديم رؤية مستقبلية. والكتابة الدبلوماسية في معظمها تعتمد علي اللقاءات والمقابلات أو علي الأخبار المنشورة في الصحف والمجلات أو علي تحليلات واستنتاجات لما هو منشور، وهو ما يسمي في التحليل السياسي باسم تحليل مضمون، أو ما يسمي في العامية بالقراءة لما بين السطور. ولعل من أبرز الأحداث المعاصرة ما قرأه الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في لقائه مع ابريل جلاسبي السفيرة الأمريكية في العراق آنذاك، قبل غزوه للكويت عندما استفسر منها عن علاقاتهم بالكويت فقالت انه لا توجد اتفاقية أو معاهدة أمنية تدعو الولاياتالمتحدة لحماية الكويت، وان الولاياتالمتحدة تحترم العلاقات الثنائية بين الدول العربية، هذا الكلام تعبير عام يتعلق بالمباديء ويعكس واقعا قائما آنذاك، وقراءة المضمون التي استخلصها الرئيس صدام آنذاك انه لو هاجم الكويت فلن تدافع عنها الولاياتالمتحدة. بالطبع هذه كانت قراءة خاطئة لاعتبارات ثلاثة: الأول: ان الرئيس صدام حسين لم يقل للسفيرة الأمريكية حسبما هو منشور عن المقابلة اثر حدوثها انه سيغزو الكويت، وما رد فعل الولاياتالمتحدة لذلك؟ ثم انه لم يسألها ما موقف الولاياتالمتحدة لو قام العراق بغزو الكويت؟ الثاني: انها لم تقل له أية رؤية أو موقف أمريكي محدد بخصوص تصرف عراقي محتمل تجاه الكويت. ولكن من زاوية أخري فإن البعض انطلاقا من نظرية المؤامرة قدم قراءة مختلفة لكلام السفيرة الأمريكية بأنه طعم نصب للرئيس العراقي لغزو الكويت، ومن ثم تدخل الولاياتالمتحدة لتدمير العراق بعد ان تم آنذاك تحجيم ايران والثورة الاسلامية بدفع العراق للهجوم علي ايران واشعال حرب معها، وهذا كان في اطار ما عرف بسياسة الاحتواء المزدوج، ويستدل أصحاب هذا التفكير بعدة أمور من بينها اختفاء السفيرة من المشهد السياسي والدبلوماسي وتحولها بعد ذلك للعمل الأكاديمي في احدي الجامعات الأمريكية وعدم ظهورها في الاعلام الذي يحرص علي التحاور مع أمثالها من الدبلوماسيين أو السياسيين الذين يكون لهم موقف أو رأي أو اتصال ما بالأحداث المهمة. الثالث: ومن وجهة نظري الشخصية ان القراءة العلمية الصحيحة يجب ان تعتمد المنهج العلمي بالنسبة لأية وثيقة، فليست كل كتابة تعتبر وثيقة، وليس كل رأي يعتبر سرا مهما كان من قاله أو مهما كان كاتب الورقة. فالوثيقة لدي علماء التاريخ لها قواعد محددة ومنهج واضح ولن نخوض في تفاصيلها وهي معروفة في المراجع التاريخية، ولكن الكتابة الدبلوماسية في معظمها لا تعتبر وثائق تاريخية لأنها لا تتبع المنهج التاريخي العلمي، وإنما لها منهج خاص بها لخدمة أهداف محددة للعمل الدبلوماسي، وقصاري ما فيها انها تعبر عن رؤية أو قراءة لمعلومة، أما الوثائق الدبلوماسية السليمة فهي تكون مسجلة بدقة كمحاضر الاجتماعات ويتم توقيعها من الأطراف أو اتفاقات ثنائية أو جماعية، وقد تكون علنية أو سرية لفترة ما وفقا لظروف الوثيقة والحدث، فكثير من الوثائق يتم الكشف عنها وفقا لذلك وتتحول من السرية إلي العلنية رسميا، ولعل أشهرها بالنسبة للشرق الأوسط هي وثائق سايكس بيكو التي عقدت بين بريطانيا وفرنسا، وقامت روسيا بعد الثورة الشيوعية عام 7191م، بنشرها، وأظهرت بريطانيا وفرنسا في الحرب العالمية الثانية. كاتب المقال : باحث في الشئون الاستراتيجية الدولية