أشاد معهد التمويل الدولي في واشنطن بالسياسات التي اتبعتها البحرين في التعامل مع الأزمة الراهنة، وأوضح أنها تعاملت مع الأزمة بسياسات هادئة ومتوازنة دون رعب، حيث وازنت بين سياسات مواصلة الإنفاق، وتقديم حزمة من الدعم للقطاع المالي، وبنفس الوقت محاولة توجيه الإنفاق للقطاعات الأكثر صلة بالتنمية، مع الحفاظ علي برامج الدعم الاجتماعي للمواطنين. وأكد المعهد بأنه لم يكن بإمكان البحرين التعامل بهذه الطريقة مع الأزمة العالمية، لولا أنها لم تتعامل بحكمة مع الفوائض المالية التي تراكمت لديها خلال السنوات الثماني الماضية ما قبل الأزمة. وذكر التقرير أن هناك فرقاً ما بين سياسات إدارة الثروة عام 1997 وما قبل الأزمة الأخيرة. ففيما كانت البحرين عام 1997 تعمل جاهدة للحد من الإنفاق وتحقيق الاستغلال الأمثل لموارد مالية محدودة نسبيا والسيطرة علي عجوزات كبيرة في الميزانيات العامة فقد كان وضعها قبل الأزمة تنعم بفوائض سنوية متتالية ومتنامية وارتفاع سريع في احتياطياتها المالية، وقد يكون شعور اليوم بأن الطلب العالمي علي النفط بدأ يتأثر بسعره المرتفع آنذاك، وأنه تراجع بسبب ذلك، لكن تأثير كل ذلك علي العوائد النفطية كان محدودا، فيما تعد التحولات الهيكلية في ميزان العرض والطلب العالمي علي النفط بمنحي واضح نحو ارتفاع الأسعار علي المدي المتوسط والطويل. والسؤال الطبيعي الذي يثيره هؤلاء الخبراء، إذا كانت دروس التعامل مع الأزمة الراهنة قد حققت الاستفادة منها، فما هي المؤشرات او الدروس المستفادة للمستقبل، وأين يجب ان تذهب الفوائض المالية، خصوصا أن المؤشرات توضح عودة أسعار النفط للتعافي مرة أخري؟ وتجيء الإجابات علي هذه الأسئلة متفاوتة، فمن حق عامة الناس المطالبة باستخدام الفوائض لتحسين مستويات معيشتهم وإيجاد وظائف جديدة للمواطنين بعد أن وصلت معدلات البطالة في صفوفهم الي مستويات ملحوظة، بينما راح الخبراء يطالبون باستثمار جزء من هذه الفوائض في مشاريع للبني التحتية وتسديد قسم من الديون العامة للدولة. ويوضح هؤلاء الخبراء أن التجارب التنموية السابقة تظهر أن الدول النفطية لجأت الي تطبيق نموذجين للتنمية الاقتصادية. ويمكن أن يطلق علي الاول النموذج «النفطي الاستثماري» وأقرب نموذج لذلك التجربة الكويتية حيث تبنت الكويت سياسات اقتصادية أدت الي توظيف العائد علي الثروة النفطية في شكل استثمارات خارجية واستخدام تلك الاستثمارات والعائد عليها للحفاظ علي مستوي رفاهية الفرد الكويتي. وقد استطاعت الكويت استخدام تلك الاستثمارات عدة مرات اهمها جاء خلال فترة حرب الخليج الثانية. كما استخدمت الكويت تلك الاستثمارات في السابق، علي سبيل المثال، بعد تراجع اسعار النفط بعام 1986 حيث قدرت المبالغ المحولة بنحو 9 مليارات دولار. واختيار هذا النموذج يعتمد الي حد كبير علي حجم العائد علي الثروة النفطية فهذا النموذج لكي يكون مجديا بحاجة لاستثمارات كبيرة كتلك التي كانت لدي الكويت. ويتوقع أن تستمر دول المجلس في استخدام هذا النموذج، حيث تقول تقديرات معهد التمويل الدولي إن دول الخليج قامت وستقوم بشراء 360 مليار دولار من الأصول الخارجية خلال العام قبل الماضي، يشمل السندات والأسهم والعقارات والأصول الأخري. وهذا الرقم الضخم المتوقع يزيد بنسبة 50 في المائة علي مجموع ما تم شراؤه من الأصول الخارجية في السنوات الخمس السابقة للأزمة. وإن هذا الحجم الضخم من الاستثمارات الخارجية المباشرة أو غير المباشرة، من قبل دول مجلس التعاون سيشكل إضافة كبيرة إلي الأصول العربية الإجمالية في الخارج والتي قدرت بما بين 1.2 و1.5 تريليون دولار، وعلي افتراض استمرار الفوائض النفطية ما بعد العام 2010، وهو الأمر المرجح، فإن ذلك سيعني نمو هذه الاستثمارات إلي أكثر من 2 تريليون دولار علي الأقل.. وهناك النموذج الثاني ويطلق عليه نموذج «تنوع الانتاج» والذي يتم توظيف الثروة النفطية لتنويع القاعدة الانتاجية للاقتصاد الوطني. ويهدف هذا النموذج لاعداد الاقتصاد لفترة ما بعد النفط والي تقليص تأثير القطاع النفطي علي اداء الاقتصاد الوطني. وبطبيعة الحال بإمكان أي اقتصاد نفطي ان يجمع النموذجين، أي الحفاظ علي قطاع نفطي كبير وتنويع القاعدة الانتاجية للاقتصاد. وهذا النموذج انسب لدولة تمتلك ثروة نفطية واقتصاد نشط كالمملكة العربية السعودية والامارت العربية المتحدة وسلطنة عمان. اما بالنسبة لتجربة الاقتصاد البحريني فيبدو انها قد انحازت لصالح النمودج الثاني وذلك لسبب اساسي وهو عدم كفاية الموارد المالية العائدة علي الثروة النفطية البحرينية لتبني النموذج الاول.