تابعت علي مدي اليومين الماضيين مناقشات جادة عن مستقبل الإسلام السياسي في الوطن العربي من خلال مشاركتي في مؤتمر نظمه المركز العربي للبحوث والدراسات حول هذه القضية. تناولت المناقشات التي تختتم اليوم -والتي قادها نخبة من المفكرين السياسيين تضم 71 من الخبراء في متابعة الحركات الإسلامية في مصر والدول العربية- زوايا عديدة للقضية استوقفني منها ما أطلق عليه المفكر الكبير السيد يس »اللغز السلفي« قبل أن يطرح تساؤلاته حول ماهية القاسم المشترك الأعظم بين التيارات السلفية المتعددة.. وما هي أهم أسباب انتشار التيار السلفي بصفة عامة وفي أي طبقات اجتماعية.. كيف وصلوا للناس.. وما نوع خطابهم.. كيف ظهروا علي المسرح السياسي بعد اختفاء 04 عاما.. وكيف اقنعوا الناس بانتخابهم.. وأخيرا هل يمكن للتيار السلفي أن يحتل مكان الإخوان المسلمين في المشهد ؟ محاولة الإجابة علي هذه الأسئلة تصدي لها كثير من المشاركين -أكثر من مائة من مختلف التيارات السياسية- الذين حذروا من خطورة التيار السلفي في الانتخابات البرلمانية القادمة مؤكدين أنهم ليسوا أفضل من الإخوان.. وهي نفس العبارة التي استخدمتها من قبل عنوانا لمقال سابق منذ شهور. من أهم ما قيل بهذا الشأن أنهم في الانتخابات البرلمانية السابقة كانوا الفصيل الأكثر نشاطا وقاموا بدور »العراف« للإخوان وفي 03 يونيو جاء موقفهم المؤيد لثورة الشعب احتجاجا علي تهميشهم من قبل الإخوان.. أخذوا من 03 يونيو كل شيء وعادوا لعقيدتهم »يظهرون غير ما يبطنون« ! الكاتب الإسلامي د.كمال حبيب كان واضحا حينما أكد أن التيارات السلفية لديها مشكلة في المشاركة السياسية لأنهم لا يؤمنون بالديمقراطية بمعناها المتعارف عليه وهو سلطة الشعب.. وأضاف: »حينما أنشيء حزب النور عام 1102 أكد أن تحقيق الديمقراطية لابد أن يكون في إطار الشريعة.. تقبل آليات الممارسة الديمقراطية مثل الأحزاب والجمعيات الأهلية.. إلخ لكنه لم يتقبل مبدأ الديمقراطية نفسه الذي يعطي السلطة للشعب لأن هذا يتناقض مع مبدأهم أن الشريعة هي الأصل وهي أسبق من سلطة الشعب وطبقا لمفهومهم فإنه لا يجوز للسلطة المؤسسة -وهي هنا الشريعة- أن تأتي بعدها سلطة أخري تؤسس لما هو مخالف للشريعة.. ولا ننسي أن التيار السلفي آثار مشاكل كثيرة في بداية الثورة مثل قضايا الآثار والسياحة والأمر بالمعروف لكن مع الوقت بدأ يتعقل وتدريجيا ادرك ضرورة وجود أرضية ينطلق منها وبدأ يراجع موقفه ويتخذ مواقف عقلانية. صلاح عبدالمعبود القيادي بحزب النور دافع عن مواقف الحزب الداعمة لثورة 03 يونيو والدستور الجديد مؤكدا أن حزب النور كان أول من عارض الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المعزول مرسي في 22 نوفمبر 2102 وأول من قدم مبادرة مع جبهة الانقاذ للم الشمل.. ورفض الأخونة لأن مصر أكبر من أي فصيل.. وأضاف: »وعندما اقتربنا من 03 يونيو أصدرنا عدة بيانات ترفض الحشد والحشد المضاد حقنا للدماء وطالبنا بعدم النزول للشوارع.. ثم أيدنا خارطة المستقبل والدستور وعقدنا 82 مؤتمرا للدعوة للتصويت ب»نعم« علي الدستور الجديد وكنا نرد علي الادعاءات بأنه يخالف الشريعة الإسلامية«. وهنا.. تعالت أصوات مقاطعة من داخل القاعة »ولكنكم لم تشاركوا في الاستفتاء ولم تنزلوا للتصويت.. أيدتم الدستور علنا وقاطعتم الاستفتاء سرا«.. وراحت أصوات أخري تقول: »نفسنا نصدقكم« »خايفين نأخذ مقلب تاني« وبسرعة جاء رد د.قدري حفني استاذ علم النفس السياسي »طب بس نخلص من المقلب الأولاني« ! متحدث آخر هو مختار قاسم وصف نفسه بأنه من مدرسة تقول أنه من حق السلفيين والإسلاميين بصفة عامة أن يطرحوا أفكارهم بكل حرية.. لكن المشكلة في فرض آرائهم بالقوة.. وأضاف »حتي الآن لم يقولوا رأيهم في الديمقراطية« ! ووصفت إحدي المتحدثات -وتدعي نجلاء- أزمة السلفيين والإخوان بأنها مشكلة نفسية وتساءلت »لماذا يذهب الشاب المراهق ليستمع إليهم؟ ولماذا يرتدون ملابس مختلفة؟ مؤكدة أتنا في حاجة لطرح ديني بديل وحلول اجتماعية تبدأ بحل مشاكل العشوائيات والفقر والبطالة. مشارك آخر هو فتحي غنيم قال: »لابد بعد ما رأيناه من تجربة مريرة مع المتأسلمين أن يطرحوا خطابا جديدا وأن ينصرفوا إلي الدعوة والعمل الاجتماعي فقط فهم لا يصلحون للسياسة«.. بينما قال متحدث شاب »لم نر من أي فصيل منهم -إخوان أو سلفيين أو قاعدة- أي خير لمصر.. مفيش غير الدمار والقتل« مؤكدا أنهم عجزة سياسيا ولهذا يأخذون من السياسة مطية للوصول إلي السلطة وتساءل »أين الإسلام المصري الذي نعرفه.. إسلام المحبة والجيرة والشهامة والتسامح؟ لا يمكن أن نعترف بإسلام القتل والعنف ولهذا لن يكون لنا مستقبل إلا بفصل الدين عن السياسة«. السؤال الآن.. هل يقبل الإخوان والسلفيون بفصل الدين عن السياسة والتفرغ للدعوة والعمل الاجتماعي فقط وترك السياسة لأصحابها ماداموا لا يعرفون قواعد ممارستها.. أم أنهم سيستمرون في سياساتهم لاستمالة الشعب في الانتخابات القادمة.. الإخوان بالزيت والسكر والسلفيون بقوافل العلاج المجانية ودعم المدارس والمستشفيات وبناء المساجد ودور المناسبات؟ وهل سيقبل الشعب أن يخدع مرة أخري؟ أم يأخذ بالمثل الشعبي بعد تعديله ليصبح »اللي اتلسع من شوربة الإخوان ينفخ في زبادي السلفيين«.