الصحفي الملتزم بقضايا أمته ينأي بنفسه وينزه قلمه ويسمو بفكره عن الخوض في أمور لا تهم القارئ اليوم نصل الي ختام الدراسة: حتي لا يظهر في مصر مردوخ آخر.. والاخطار الخمسة التي تواجه الصحافة المصرية.. وتحد من قوتها.. وتضع قيودا علي حركتها في أداء رسالتها القومية.. وقد عرضنا بعض هذه الأخطار، يوم 2 و32 نوفمبر الماضي واليوم نستكمل باقي الأخطار: الخطر الثاني إذا كان من وظائف الصحافة إحاطة الرأي العام بكل ما يجري من أمور وأحداث داخلياً وخارجياً بأمانة وموضوعية فإن وظيفتها أيضاً النقد والتوجيه لأن دور الصحافة لا يقتصر علي نشر الأخبار والأحداث.. بل من واجبها أن تتناول هذه الأحداث وقضايا الرأي العام بالتعليق والتحليل، وكل الموضوعات والمشكلات التي تهم المواطنين، وهي عندما تقوم بذلك فإنها تقوم بدور هام من منطلق وطني في توجيه الحكومة ورقابة خططها وسياساتها، والمسئولية الاجتماعية للصحفي تفرض عليه أن يناقش قضايا مجتمعه بحياد وموضوعية.. ويبدو أن هذه المهمة لا تروق كثيراً، ولا يرحب بها بعض المسئولين من وزراء، لأنهم يخشون النقد والفكر الحر والحوار الموضوعي. إنهم يريدون صحافة مقطوعة اللسان معصوبة العينين، لا تناقش، فاقدة السمع والبصر والبصيرة كما يقول الكاتب الكبير الأستاذ مصطفي أمين... ومناقشة قضية تطوير التعليم في مصر أبلغ مثال علي ذلك. فمن المعروف أن تطوير التعليم ليس مسئولية فرد أو مجموعة أفراد مهما كانت قدرات هذا الفرد أو إمكانات هؤلاء الأفراد. فالتعليم مستقبل الأمة بأكملها، وطرح سياسات التعليم علي الرأي العام ضرورة قومية حتي يقول الخبراء والمتخصصون كلمتهم، فيأتي الاتفاق العام. والنابهون من قيادات التعليم في كل بلدان العالم المتقدم لا يجدون حرجاً في الاستماع إلي الرأي الآخر، للاستفادة من مختلف الآراء، هذه أمور بديهية تسير عليها الدول المتحضرة. في بريطانيا مثلاً.. تطوير التعليم قضية مثارة ، وعلي الرغم من التقدم العلمي الذي تعيشه انجلترا فإن السياسة التعليمية تلقي معارضة وهجوماً شديداً من أحزاب المعارضة، إلي الحد الذي جعل »مستر كينوك« زعيم المعارضة في مجلس العموم البريطاني يقف مخاطباً أعضاء البرلمان بأن يمنعوا أبناءهم من الذهاب إلي المدارس الحكومية لهبوط مستواها التعليمي! ولم تتخل »مسز تاتشر« رئيسة الوزراء في ذلك الوقت عن وقارها وهي تسمع وتواجه هذا الهجوم العنيف، بل قالت في هدوء الواثق من عمله إنها ترحب بكل نقد، وأنها ستدرس كل الملاحظات للاستفادة منها للوصول إلي تعليم جيد لطلاب المدارس الحكومية والخاصة علي حد سواء. ولكن ماذا يحدث عندنا في مصر... المسئول عن التعليم يري أن من يخالفه الرأي إنسان مغرض.. من منطلق من ليس معي فهو ضدي! وبدلاً من مواجهة الرأي بالرأي والحجة بالحجة.. راح يرمي المخالفين له بفساد الرأي تارة وبالحقد مرة أخري. لقد فوجئ الرأي العام بتغيير السلم التعليمي في الحلقة الابتدائية، نتج عنه اختصار سنة لتصبح مدتها خمس سنوات بعد أن كانت ست سنوات.. وعارضت أقلام كثيرة هذا التخفيض، ومنها كاتب هذه الدراسة.. حتي اتسع نطاق المعارضة الشعبية، لأن تخفيض سنة دراسية في هذه المرحلة المبكرة كارثة قومية، لأنها مرحلة إكساب المهارات والمعارف وعليها تبني بقية مراحل التعليم التالية، وإذا كانت نسبة الأمية تتجاوز 05٪ من مجموع المواطنين، ويحدث هذا في ظل تعليم ابتدائي مدته ست سنوات فكيف يكون حال الأمية وقد أصبحت فترة التعليم الابتدائي خمس سنوات؟! وخلصت الأقلام المحبة لشعبها إلي مطالبة الحكومة بالعدول عن هذا التغيير الذي أحدثته في السلم التعليمي في الحلقة الابتدائية، حماية للأجيال القادمة من خطر الأمية وحرصاً علي مستقبل التعليم في مصر. وبدلاً من الاستجابة لصوت العقل والمنطق والضمير والعدول عن مشروع القانون الرامي إلي التخفيض... أخذ المسئولون عن التعليم يرمون المخالفين لهم في الرأي ومنتقدي سياسة تطوير التعليم بالحقد وتمادوا إلي حد التشهير واختلاق الأكاذيب. الخطر الثالث أن التفسير الخاطئ لمفهوم حرية الصحافة يتمثل الآن في الاستخدام الرديء لحرية القلم، فإلي جانب المتاجرة والابتزاز به، تحولت كل خناقة شخصية بين الصحفيين أو مع بعض المواطنين إلي قضية عامة يصورها البعض علي أنها اعتداء علي كرامة المهنة. يصول البعض ويجول دون أن تتاح نفس الفرصة للطرف الآخر فيقول كلمته أيضاً. إن حامل القلم صاحب أمانة، والضمير الصحفي يلزمه بعدم الخلط حتي لا تتوه الحقيقة بين الناس وحتي لا يحرم القارئ من الوصول إلي المعلومة الصحيحة التي تساعده علي تكوين الرأي السليم حول القضية المثارة. وإذا كان الحكم القضائي هو عنوان الحقيقة في محراب العدالة فإن رسالة الصحافة هي البحث عن الحقيقة. وليس تشويه الحقيقة. كما أن جميع الأديان السماوية والمواثيق الأخلاقية تدعو إلي احترام حقوق الآخرين والصدق في القول والترفع عن صغائر الأمور، وليس معني أن يتاح لشخص ما قلم يعبر به أو صحيفة ينشر فيها أنه حر طليق في أن يكتب ما يشاء دون تحري الحقيقة ومراعاة الأمانة بعيداً عن النزعات الشخصية والانفعالات غير الموضوعية، فما أحوجنا نحن الصحفيين إلي تحري الحقيقة وبذل الجهد الصادق والشاق من أجل التعرف عليها والإلمام بكل جوانبها! إن ما ينشره الصحفي لابد أن يعبر عن مشكلة تهم المجتمع والرأي العام الممثل فيمن يقرأ له. وإلا تحول القلم إلي سلاح لتحقيق مغانم ذاتية ومنافع شخصية. والصحفي الملتزم بقضايا أمته ينأي بنفسه وينزه قلمه ويسمو بفكره عن الخوض في أمور لا تهم القارئ . ومن أمراض المهنة أيضاً، أن نري بعض الأقلام تخرج علي نطاق الموضوعية، وأدب الحوار حول بعض القضايا القومية.. فيصف أصحاب الرأي الآخر المبني علي حقائق علمية، أنه رأي عواجيز الفرح، الذين يخفون تجاعيد الزمن بوابل من الأصباغ.. لم يناقشوا القضية، الرأي بالرأي، إنما لجأوا إلي التجريح الشخصي، مما يعرضهم للمساءلة القانونية بتهمة السب والقذف والتشهير. الخطر الرابع تحول بعض الصحفيين إلي رقباء، يتولون حذف وتشويه الأخبار والموضوعات وحجب الرأي الآخر لصالح مالك الصحيفة أو لصالح السلطة سواء طلب ذلك منهم أو قاموا بهذا العمل الأثيم طواعية، نفاقاً ورياء وتقرباً وزلفي أو خوفاً وطمعاً. والحديث في هذا الموضوع شرحه يطول !. الخطر الخامس أن حرية المواطن يجب أن تحظي منا نحن الصحفيين بكل رعاية واهتمام.. بقدر حرصنا علي حرية الصحافة. إننا نشاهد تسابقاً محموماً من قبل الصحف فتصدر أحكام الإدانة علي المتهمين الذين لا يزالون رهن التحقيق في حوادث أو قضايا سياسية، وقبل أن يقول القضاء كلمته الفاصلة في شأنهم. فنري هذه الصحف توزع الاتهامات عليهم وتحولهم إلي قتلة ومجرمين أو عملاء وخونة، ثم تظهر براءتهم. ولكن بعد فوات الأوان بعد أن تم تشويه صورتهم وأصبحوا حطاماً، مع أن القاعدة القانونية تقول إن المتهم بريء حتي تثبت إدانته.. بل إن بعض الصحف تتمادي وتتوسع في النشر، والخوض في الأعراض، استناداً إلي تحريات جهات التحقيق، وقد تثبت أنها غير صحيحة، في الوقت الذي تمتنع عن نشر أسماء وصور آخرين من فئات اجتماعية، تتمتع بالنفوذ والجاه والسلطان.. وهذه التصرفات لا تمت لأخلاقيات المهنة، وهي انتهاك صريح للخصوصية التي تتمتع بالحماية القانونية. لحظة تأمل من قصيدة للشاعرة الانجليزية دورثي لونولت : يقصيد بقلم الشاعرة الانجليزية دورثي لونولت« اذا عاش الطفل في جو من النقد تعلم الذم.. واذا عاش الطفل في جو من الخوف تعلم أن يتوقع الشر.. واذا عاش الطفل في جو من الغيرة عرف معني الحسد. وإذا عاش الطفل في جو من العار تعلم الشعور بالاثم.. واذا عاش الطفل في جو من العداء تعلم المشاجرة. واذا عاش الطفل في جو من المشاركة تعلم الكرم.. واذا عاش الطفل في جو من الامانة تعلم العدل.. واذا عاش الطفل في جو من الرضا تعلم الحب.. واذا عاش الطفل في جو من التسامح تعلم الصبر.. واذا عاش الطفل في جو من المعرفة تعلم قيمة الاشياء.. واذا عشت انت يا أمه في هدوء فإن طفلك سوف يعيش في أمان..