هي لسان البلاد، ونبض العباد، ومجيرة المظلوم وشكيمة الظالم في البداية نذكر القراء الأعزاء بأن ما نسطره اليوم، هو استكمال لما سطرناه في يوميات الثلاثاء 2 نوفمبر الحالي، تحت عنوان: حتي لا يظهر في مصر مردوخ آخر.. وهي دراسة عن: »الصحافة المصرية وقد حددنا خمسة مخاطر تواجه الصحافة المصرية وتحد من قوتها وانتشارها ومصداقيتها في نقل الأخبار والأحداث في الداخل والخارج، وكثيراً ما تعوقها عن أداء رسالتها. ضيق المساحة في اليوميات السابقة أشرنا إليها في بضع سطور، علي وعد أن نستكمل الحديث عنها . وعقب النشر وفي الأيام التالية نبهني عدد من القراء الأعزاء أن ما نشرناه أربعة فقط وليس خمسة، ويتساءلون عن الخطر المحذوف وما مضمونه. وعندما عدت إلي الأصل المعد للنشر، كان القراء علي حق في ملاحظتهم القيمة، وبالفعل وجدت أن أحد المخاطر قد سقط من القائمة. وأؤكد أن ما حدث خطأ أتحمل مسئوليته، فقد سقط سهواً عند المراجعة، وقد أسعدني هذا الاهتمام من القراء الأعزاء الذين يتواصلون معنا، وهذا الاهتمام المشكور دليل تفاعل إيجابي بين الكاتب وقرائه، وأن ما يسطره الكاتب ليس دخاناً في الهواء. وجزاهم الله عني كل خير. ..وبدون ترتيب للقضايا الخمسة نبدأ من الإيجاز إلي التفاصيل.. الخطر الأول إن حرية الصحافة تعني حرية تدفق المعلومات والأخبار والأحداث إلي القارئ دون قيود، هذا ما نصت عليه المواثيق الصحفية الدولية وحقوق الإنسان حتي يكون المواطن علي بينة من الأحداث التي تقع علي أرض وطنه، وملماً بالشئون الخارجية أيضاً. والإعلام الموضوعي - كما أسلفنا - أكبر ضمان للوصول إلي الحقيقة وإلي خلق رأي عام مستنير..ولكن بعض المسئولين يلجأ إلي حجب الحقائق عن الرأي العام إزاء حدث أو أحداث معينة بمنع الصحافة من الوصول إلي المعلومات الصحيحة، والذين يلجأون إلي إخفاء الحقائق بفرض ستار من السرية حولها، هذه التصرفات المعيبة تكشف عن نفوس مريضة وأيد مرتعشة وقرارات متناقضة. وهذا التعتيم لا يخدم الديمقراطية بل يساعد علي رواج الشائعات كما يجعل الرأي العام في عزلة عن المشاركة في صنع القرارات وتقبلها..وهذه التصرفات الخاطئة لا تمكن المواطن من معرفة ما يدور حوله من أحداث أو تيارات أو اتجاهات، وهذا يشجع »الأنامالية« أو السلبية وعدم الانتماء. وغير خاف أن أي قرار يحتاج إلي مساندة الرأي العام حتي يمكن تطبيقه تطبيقاً سليماً يحقق الهدف المرجو منه ويتقبله الناس بقبول حسن، لأن تدفق المعلومات إلي القارئ بدون قيود يساعد علي نمو المجتمع بالمعرفة المستنيرة بعيداً عن التهويل أو التهوين ولا يهيئ المناخ لتفريخ الشائعات فلا تجد البيئة المناسبة للانتشار فيقضي عليها في مهدها. وإذا سارت الصحف في معالجة الأحداث بأسلوب حجب المعلومات سيأتي يوم ينصرف فيه القراء عنها وتتلخص القضية في اختلاط الأمر علي الصحف بين حق القارئ في معرفة وقائع الخبر ورأي الصحيفة وإدارتها. واستمرار هذا الخلط سوف ينتج عنه أمران في غاية الخطورة: الأمر الأول: انصراف القارئ عن الصحف لعدم مصداقيتها في عرض الحقائق بحيدة وموضوعية. وتدفع القارئ إلي طلب المعلومات من خلال الصحف والإذاعات الأجنبية، ولا يغيب عن الأذهان أن العالم أصبح قرية صغيرة في ظل التقدم التكنولوجي في نقل الأحداث والمعلومات التي يعرفها غيرنا ويجهلها قارئنا وبالتالي تفقد الصحف مبرر وجودها.. الأمر الثاني: أن استمرار هذا الخلط في تلوين الأخبار أو حجبها يضر بالمصالح الذاتية للصحفيين والعاملين. الخطر الثاني إحاطة الرأي العام بكل ما يجري من أمور وأحداث داخلياً وخارجياً بأمانة وموضوعية فإن وظيفتها أيضاً النقد والتوجيه لأن دور الصحافة لا يقتصر علي نشر الأخبار والأحداث.. بل من واجبها أن تتناول هذه الأحداث وقضايا الرأي العام بالتعليق والتحليل، وكل الموضوعات والمشكلات التي تهم المواطنين، وهي عندما تقوم بذلك فإنها تقوم بدور هام من منطلق وطني في توجيه الحكومة ورقابة خططها وسياساتها، والمسئولية الاجتماعية للصحفي تفرض عليه أن يناقش قضايا مجتمعه بحياد وموضوعية. ويبدو أن هذه المهمة لا تروق كثيراً، ولا يرحب بها بعض المسئولين.. إنهم يريدون صحافة مقطوعة اللسان معصوبة العينين، لا تناقش، فاقدة السمع والبصر والبصيرة كما يقول الكاتب الكبير الأستاذ مصطفي أمين... ومناقشة قضية تطوير التعليم في مصر أبلغ مثال علي ذلك. فمن المعروف أن تطوير التعليم ليس مسئولية فرد أو مجموعة أفراد مهما كانت قدرات هذا الفرد أو إمكانات هؤلاء الأفراد. فالتعليم قضية المجمتع بأسره ومستقبل الأمة بأكملها، وطرح سياسات التعليم علي الرأي العام ضرورة قومية حتي يقول الخبراء والمتخصصون كلمتهم، حتي يأتي التطوير متكاملاً ويصبح موضع الرضا والاتفاق العام. والنابهون من قيادات التعليم في كل بلدان العالم المتقدم لا يجدون حرجاً في الاستماع إلي الرأي الآخر، للاستفادة من مختلف الآراء، هذه أمور بديهية تسير عليها الدول النامية المتحضرة. في بريطانيا عندما كانت مسز تاتشر رئيسة للوزراء وتسمي ب: المرأة الحديدية كانت قضية تطوير التعليم قضية مثارة ، وعلي الرغم من التقدم العلمي الذي تعيشه انجلترا فإن السياسة التعليمية تلقي معارضة وهجوماً شديداً من أحزاب المعارضة، إلي الحد الذي جعل »مستر كينوك« زعيم المعارضة في مجلس العموم البريطاني يقف مخاطباً أعضاء البرلمان بأن يمنعوا أبناءهم من الذهاب إلي المدارس الحكومية لهبوط مستواها التعليمي! ولم تتخل »مسز تاتشر« رئيسة الوزراء عن وقارها وهي تسمع وتواجه هذا الهجوم العنيف، بل قالت في هدوء الواثق من عمله إنها ترحب بكل نقد، وأنها ستدرس كل الملاحظات للاستفادة منها للوصول إلي تعليم جيد لطلاب المدارس الحكومية والخاصة علي حد سواء. لقد فوجئ الرأي العام بتغيير السلم التعليمي في الحلقة الابتدائية، نتج عنه اختصار سنة لتصبح مدتها خمس سنوات بعد أن كانت ست سنوات.. وعارضت أقلام كثيرة هذا التخفيض، ومنها كاتب هذه الدراسة.. حتي اتسع نطاق المعارضة الشعبية، لأن تخفيض سنة دراسية في هذه المرحلة المبكرة كارثة قومية، لأنها مرحلة إكساب المهارات والمعارف وعليها تبني بقية مراحل التعليم التالية، وإذا كانت نسبة الأمية تتجاوز 05٪ من مجموع المواطنين، ويحدث هذا في ظل تعليم ابتدائي مدته ست سنوات فكيف يكون حال الأمية وقد أصبحت فترة التعليم الابتدائي خمس سنوات؟! وخلصت الأقلام المحبة لشعبها إلي مطالبة الحكومة بالعدول عن هذا التغيير الذي أحدثته في السلم التعليمي في الحلقة الابتدائية، حماية للأجيال القادمة من خطر الأمية وحرصاً علي مستقبل التعليم في مصر. وبدلاً من الاستجابة لصوت العقل والمنطق والضمير والعدول عن مشروع القانون الرامي إلي التخفيض... أخذ المسئولون عن التعليم يرمون المخالفين لهم في الرأي ومنتقدي سياسة تطوير التعليم بالحقد.. مما دفعني إلي تقديم مذكرة إلي نقيب الصحفيين حول هذا الموضوع، حيث لا يمثل الأمر خلافاً شخصياً، وإنما الأمر يتعلق بقضية عامة، قضية مهنية بالدرجة الأولي، وهي حق الصحفي في النقد والتوجيه والتحليل لقضايا المجتمع ومحاولة البعض إعاقة الصحفي عن أداء دوره في هذا المجال. ويتواصل الحديث في يوميات قادمة إن شاء الله.