مع انهيار النظام المعلوماتي للدولة العظمي الولاياتالمتحدةالامريكية اصبحنا علي مشارف عالم يستطيع فيه كل انسان ان يعرف ما يجري وراء الكواليس المظلمة وفي الغرف المغلقة والكهوف السرية لصناعة القرارات الدولية. وقد تأكد لدي الجميع اننا نعيش في عالم تطورت فيه وسائل المعرفة وادوات الاتصال، ولم يعد في الامكان اخفاء المعلومات وراء حواجز الكتمان.. ففي ظل ثورة المعلومات والاتصالات، لم يعد من السهل حرمان الشعوب من الاطلاع علي ما يجري تحت لافتة »ملف سري للغاية« . فالنشر الالكتروني فضاء مفتوح علي خلاف النشر الورقي الذي يمكن تعطيله ومنعه عن طريق وقف الطباعة او منع التوزيع.. اننا الان في عالم ما بعد »ويكيليكس« ذلك الموقع الالكتروني الذي ينشر ملايين الوثائق والمراسلات والبرقيات السرية.. واخرها ربع مليون برقية متبادلة بين 472 سفارة وبعثة دبلوماسية وقنصلية امريكية حول العالم.. ووزارة الخارجية الامريكية.. التي سقطت بالضربة القاضية.. والوثائق تغطي الفترة حتي نهاية شهر فبراير الماضي »0102« وكان المفترض ان هذه الوثائق لن تري النور قبل 52 سنة، ولكن شبكة الانترنت لا تعترف باسرار، ولا تخضع لاي شكل من اشكال الرقابة.. انه اختراق غير مسبوق يحققه الاعلام الالكتروني ويمنح السلطة الرابعة في مختلف دول العالم.. قوة اضافية هائلة. هذا الاختراق الذي يفضح الكثير من الوقائع والمواقف في السياسة الخارجية الامريكية وسياسات دول اخري، يضع العالم امام خيارين: إما المزيد من الخطوات والاجراءات المانعة والرادعة التي تكفل حماية اسرار الدهاليز السياسية والدبلوماسية من اي اختراق في المستقبل.. واما المزيد من المكاشفة والصراحة الغائبة حتي الان وكذلك المزيد من الشفافية والوضوح، سواء خلال الاتصالات السياسية او المحادثات الدبلوماسية او المفاوضات بين الدول. والخيار الثاني ليس سهلا بالنسبة لحكومات العالم، لانه يعني الصدق وان لا تختلف المواقف الحقيقية عن المواقف المعلنة، وان لا يكون هناك اي تناقض بين التصريحات الرسمية للصحفيين او في المؤتمرات الصحفية، وبين ما يقال في المحادثات التي تجري داخل الغرف المغلقة. وكما هو معروف فان هناك بيانات وتصريحات رسمية.. لعبت دورها المرسوم في تضليل الشعوب لعقود طويلة، لانها تعلن عن موقف.. يتعارض مع ما يقال علي ألسنة المسئولين في المحادثات السرية. وفي عالم ما بعد نشر وثائق موقع »ويكيليكس« سوف تسقط الاقنعة.. ويتغير العالم. وسوف تتيح هذه التسريبات للمعلومات حول »كل القضايا الكبري« الفرصة امام الرأي العام في هذه الدولة او تلك مساءلة ومحاسبة الحكومات، بعد ان تحرر هذا الرأي العام من التجهيل المتعمد والتهميش المقصود.. وسوف يترك نشر هذه الوثائق تأثيراته علي الامن المعلوماتي وكيفية التعامل مع الوثائق الالكترونية.. ولايوجد علي الاطلاق من يشكك في صحة الوثائق. وكل ما استطاع المسئولون الامريكيون ان يعلقوا به علي تسرب هذه الوثائق هو ان ذلك »يشكل انتهاكا للقانون الامريكي« وان هذه التسريبات »تعرض حياة الكثيرين للخطر«، وانها »عمل خطير وغير مسئول«، وانها »حصول علي المعلومات بطريقة غير شرعية«. ومن هنا، اصدرت واشنطن تعليماتها للاجهزة الحكومية بتشديد الرقابة علي المعلومات السرية ومراجعة الاجراءات الامنية. والمعروف ان موقع »ويكيليكس« تعرض لهجمات »بالغة التعقيد« بهدف اسكاته ومحوه. غير ان المؤكد انه لم يتعرض فرد واحد للخطر بسبب اي معلومة نشرها موقع »ويكيليكس« كما توقعت الادارة الامريكية في سلسلة المزاعم التي صرحت بها.. وقد ادي نشر الوثائق الي احراج حلفاء الولاياتالمتحدة، لان ما تحتوي عليه من معلومات »كان ينبغي ان يظل سريا«.. الامر الذي دفع بعض الدول الي التساؤل عن المدي الذي يمكن ان تكون الولاياتالمتحدة فيه موضع ثقة من الان فصاعدا.. وليس صحيحا.. ذلك التفسير الساذج والتآمري كالعادة الذي جاء علي لسان الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد، وهو »ان الحكومة الامريكية هي التي اعدت ووزعت هذه الوثائق وفقا لخطة مرسومة.. وكجزء من عمل استخباراتي«.. والحقيقة ان الادارة الامريكية فشلت في احتواء الصدمة وردود الفعل الناجمة عن نشر تلك الوثائق السرية. بل ان مدير مؤسسة الشرق الادني والخليج للتحليل العسكري رياض قهوجي يتوقع ان تصل الثقة بين عرب الخليج والولاياتالمتحدة الي ادني مستوياتها بعد ان خلقت هذه التسريبات حاجزا كبيرا من انعدام الثقة بين امريكا وحلفائها في المنطقة.. وتوقع الرجل ان تفرض دول المنطقة من الان شروطا عند عقد اي لقاء مع المسئولين الامريكيين.. كما يتوقع مدير مركز الخليج للابحاث ومقره دبي ان تأخذ دول الخليج »احتياطاتها« في المستقبل في علاقاتها مع الولاياتالمتحدة!. هنا نلاحظ اننا بإزاء قمة جبل الجليد.. فقط. فهذه الوثائق المنشورة لاتشمل تلك التي يتم تصنيفها علي انها »سرية للغاية« وانما تلك التي توضع في ملف »اسرار دفاعية« وملف »ممنوع تسريبها للغرباء« وتلك التي توجد في ملف »سرية«.. ويحتمل ان يكون موقع »ويكيليكس« قد عجز عن الوصول الي الوثائق »السرية للغاية« او انه لم يرغب في ذلك حتي يحول دون انكشاف هوية من يتعامل مع هذه الوثائق. والمعروف ان الموقع يعتمد علي نظام الاتصال المستخدم من جانب وزارتي الدفاع والخارجية في الولاياتالمتحدة.. كان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو هو اول من حاول الاستفادة من تسريبات ويكيليكس لحسابه.. ففي مؤتمر صحفي عقده يوم الاثنين الماضي، استخدم الرجل محتوي بعض البرقيات لمهاجمة موقف الرئيس الامريكي باراك اوباما من ايران وليعيد طرح الموضوع الرئيسي الذي يشغله، وهو »ايران.. اولا« اي ان هذا الموضوع هو الذي يجب ان تكون له الاولوية علي ما عداه وليس الصراع العربي الاسرائيلي، وقال نتنياهو ان مقولة ان النزاع الفلسطيني الاسرائيلي هو اكبر تهديد للمنطقة ومستقبلها.. مجرد لغو وهراء! وزعم ان الزعماء العرب الذين يهاجمون اسرائيل علنا.. يوجهون تحذيرات من ايران في الغرف المغلقة.. وحاول نتنياهو ان يدحض »ادعاء« الادارة الامريكية بأن تسوية النزاع الفلسطيني الاسرائيلي يجب ان تكون له الاسبقية.. واعتبر رئيس الوزراء الاسرائيلي ان التسريبات التي تدور حول موقف دول خليجية من ايران تؤكد الموقف الاسرائيلي الذي لم يصدقه الغرب علي مدي سنوات، وهو ان الفلسطينيين ليسوا بهذه الاهمية»!!« وان الخطر الايراني هو المباشر! حيث ان العرب يتخذون نفس الموقف الاسرائيلي.. وكل ما يريدونه هو التخلص من »شيء مزعج« هو القضية الفلسطينية دون ان تراودهم حتي في احلام اليقظة، فكرة قيام دولة فلسطينية!. وبطبيعة الحال، فان حكام اسرائيل تجاهلوا برقية ارسلتها السفارة الامريكية في تل ابيب الي الخارجية الامريكية بتاريخ 15 مايو 2009 تحت عنوان »اسرائيل ارض الميعاد ام ارض الجريمة المنظمة« حول تزايد نفوذ الجريمة المنظمة الاسرائيلية.. وهذه المزاعم التي يرددها نتنياهو تتطلب من العرب ردا فوريا يؤكد المعارضة لاي عدوان عسكري امريكي اسرائيلي علي ايران ويساند حق الايرانيين في برنامجهم النووي ويتخذ موقفا اكثر حسما تجاه التواطؤ الامريكي مع الحكومة اليمينية العنصرية المتطرفة في اسرائيل وينذر بخطوات عملية لمواجهة امريكا نفسها في حالة استمرار هذا التواطؤ.