إذا صح أن تسريبات موقع " ويكيليكس " التي تهز العالم حاليا هي ثمرة مباشرة لثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كعلامة مميزة لعصرنا الحاضر، وليست كما يتكهن البعض بأنها من أدوات التآمر الدولي الجديدة، وأن وراءها أيادي أمريكية أو إسرائيلية، فإن ذلك يعني بلا أدني شك، أن العالم إزاء ثورة جديدة في مجالات المعلوماتية، والإعلام، وعالم الدبلوماسية، والعلاقات الدولية .وإذا كان البعض تحدث في إطار الفصل الأخير من تسريبات " ويكيليكس " عن "اضطرابات " وشيكة في العلاقات الدولية بسبب الأسرار التي تضمنتها الوثائق المسربة، وبداية دورة من الشك والتشكيك بين حكومات العالم، وعلي رأسها القطب الأعظم الولاياتالمتحدة . فقد وسع آخرون مجال النظر في هذا الحدث العالمي إلي تحليلات تتوقع تغييرات في مفاهيم معينة مثل : المواطنة، وحقوق الإعلام، وأمن المعلومات، وأمن الدول، وحق التعبير .. إلخ في سياق ذلك كله، يبدو أننا نعيش " إرهاصة " عصر جديد، سيفرض علي الجميع، من الكبار والصغار، والمتقدمين، والساعين إلي التقدم، وأصحاب النفوذ والقوة بأنواعها، وصولا حتي إلي الضحايا ممن يتلاعب بهم الكبار، أن يعيدوا حساباتهم، وأن يجددوا في طريقة تفكيرهم، وأساليب تعاملاتهم، ونظرتهم لأنفسهم، وأيضا نظرتهم للآخر، أيا كانت حدود علاقاتهم بهذا الآخر . ويبدو أن الأمر هذه المرة جاد، ولاهزل فيه . فبعد كل مافعله موقع " ويكيليكس " في أنحاء العالم، فهاهو موقع جديد، يتقرر إطلاقه، تحت اسم " أوبنليكس " نشرت عنه صحيفة "داجنز نيهيتر " السويدية اليومية التي تتمتع باحترام واسع، حيث أكدت أن هذا الموقع الجديد يقوم عليه منشقون علي ويكيليكس القديم، احتجاجا علي أسلوب إدارة جوليان أسانج مؤسس الموقع الأشهر في العالم . ويؤكد الموقع الجديد أن هدفه هو بناء منصة قوية وشفافة لدعم مسربي المعلومات السرية، تكنولوجيا، وسياسيا، وتشجيع آخرين علي بدء مشروعات مماثلة، وهكذا، يتصور أن ويكيليكس بدأ المسيرة، ولكن الحبل علي الجرار لمزيد من هذه المواقع . وبناء علي هذا، يبدو أننا أمام ما يمكن أن نطلق عليه مجازا "ثورة الشفافية " في العالم . فلا أسرار، ولامعلومات خفية، ولامؤامرات تستعصي علي الكشف، ولاحجرات مغلقة، ولادبلوماسية سرية . فالموقع الجديد " أوبنليكس " يهدف إلي توفير السبل أمام مسربي المعلومات السرية، لنشر ما لديهم، ولكن الموقع لن ينشر بنفسه هذه المعلومات بشكل مباشر، ولكنه سيتدخل لدي منظمات أخري، تتولي هي نشر الأسرار والمعلومات. فإذا ما صحت هذه التوجهات الجديدة، يتصور نشأة بنية مؤسسية جديدة، علي مستوي العالم من الهيئات والجهات الإعلامية والمنظمات التي لن يكون هدفها الربح، لكن يتركز دورها الأساسي علي الخدمة المعلوماتية الصرفة، طالما أن هناك دائما من لديه الاستعداد لمدها دوما بزاد جديد من المعلومات السرية . . هذا، فضلا عن تعاون هذه المواقع مع الأحزاب والنقابات والمؤسسات التقليدية لنقل المعلومات إليها .. وهكذا، يمكن ترقب " الجيل الجديد " من ويكيليكس، بآفاق فكرية جديدة، وتقنيات مبتكرة، وأساليب تحايل متجددة لتجنب الضغوط والمساءلة، وهذا هو تحديدا الهدف الرئيسي الذي يؤكد عليه أصحاب " أوبنليكس ".