هوىدا حافظ لم أكن أتخيل أن تنتقل ألعاب الفيديو جيم لميدان التحرير بواسطة أطفال يقذفون الحجارة ويشعلون النيران في علم بلدهم فيحترق، ومعه قلبي السبت: أخيرا.. انتهي "حظر التجول"، وفرحنا باستعادة حريتنا في التنقل متي وكيفما نشاء، ولكننا نحتاج لفرض حظر من نوع جديد وضروري جدا في حياتنا.. نحتاجه بقوة حتي لا نعاني من تلك التغيرات الغريبة التي تحول مشاعر وسلوك الآخرين أو سلوكنا مئة وثمانين درجة.. فيتحول الحب الي كره.. والصداقة الي عداوة.. والاحترام الي احتقار.. والوعود الي أكاذيب وتصيب العلاقات الدافئة عاصفة ثلجية فتتجمد وتصبح كفعل ماض ناقص.. إلا من الذكريات! كيف ومتي أقيمت الحواجز وبعدت المسافات بيننا وبين من كانوا، يوما ما، أعز وأقرب الناس الينا!؟ نحتاجه، حتي لا يموت الأب أو الأم حسرة كل لحظة، بسبب جحود أبناء تحجرت مشاعرهم وتبلدت أحاسيسهم وكأنهم فقدوا الذاكرة، ونسوا أو تناسوا كل التضحيات من أجلهم.. نحتاجه حتي لا يتنكر الأب لشريكة كفاحه التي شهدت معه صعوبة البدايات ويتركها هي والأبناء مع ذل السؤال وقسوة الهجر والشعور باليتم وهو علي قيد الحياة!.. نحتاجه حتي لا نري عروسا شابة تعود لبيت أسرتها كسيرة القلب، جريحة المشاعر، تبكي الحب "الذي كان"، بعد شهور قليلة من الزواج، عاجزة عن تفسير سر هذا التحول الصادم بعد قصة حب مشتعلة مليئة بالوعود والأحلام!.. نحتاجه حتي لا يقاطع الصديق صديق عمره بسبب اختلاف رأي أو تبني فكرة، نحتاجه حتي لا "يتحول" أي مسئول بعد أن يصل الي المنصب أو يجلس علي "الكرسي" وتصبح كل وعوده وأفكاره الاصلاحية "في خبر كان"! من أجل كل ذلك نحن في حاجة ملحة لفرض"حظر تحول" علي مشاعرنا، لنلتزم بالعقد الأخلاقي والإنساني الذي وقعناه مع الآخرين بكلمة، رغم أنه غير مكتوب ولن يتضمنه بند في دستور أو نص قانون، ولكنه التزام بيننا وبين الله، وبيننا وبين أنفسنا، وكأننا نقدم شهادة ضمان مع كل تعاملاتنا، نقر فيها التزامنا طوال عمرنا بتطبيق.. حظر التحول! »مش هتعدي المرة دي« الإثنين: يبدو أننا نعيش نفس النكتة القديمة التي تذكرتها عن "واحد بلدياتنا دخل السينما مع واحد صاحبه لمشاهدة فيلم اكشن وكان البطل يقفز بالحصان ليعبر فوق نهر صغير، وراهن بلدياتنا صديقه علي أن البطل لن يسقط من فوق الحصان، ولكن البطل سقط وكسب صديقه الرهان، فقال بلدياتنا: يا خسارة افتكرته هياخد باله المرة دي، علشان أنا دخلت الفيلم ده قبل كده مرتين!" نكتة سخيفة لم تكن تضحكني وهي تلخص غباء وسذاجة "بلدياتنا" التي تذكرني ب"ذكاوة" المسئولين في بلدنا، فمن غير المعقول أو المقبول أن تتكرر نفس الأحداث طوال مايقرب من ثلاثة أعوام ويعتقدون أنها "هتعدي المرة دي" وأريد أن يعطونا دليلا واحدا علي هذا التفاؤل غير المنطقي، فكم قطارا آخر سيحصد مزيدا من الأرواح قبل أن يقتنعوا بحتمية تكرار نفس السيناريو الكارثي، إذا لم يتصدوا بقوة للاهمال القاتل؟ كم أسرة يريدون أن تذرف دموع لوعة فراق الأحبة الذين يسقطون في مظاهرة أو "احتفالية"، قبل أن يتخذوا اجراءات حاسمة لمنع ما يحدث من اشتباكات بطريقة جدية؟ أشعر بأننا نشاهد نفس الفيلم ولكنه يعرض في دور عرض مختلفة، في أوقات ومع أبطال أيضا مختلفين وكثير منهم يقعون ضحايا وتستعد لهم وزارة الصحة "مشكورة" بتجهيز سيارات الاسعاف "مسبقا"، فالشئ لزوم الشئ! ورغم تغير أسماء وانتماءات المسئولين من عام لآخر ومن حكومة لأخري الا أن "الذكاء المفرط" هو القاسم المشترك بين كل الحكومات! أعتقد أنها أصبحت نكتة قديمة وبايخة ولانريد سماعها أو مشاهدتها أو تذكرها مرة أخري! دقة خطر! الثلاثاء: لم أكن أتخيل أن تنتقل ألعاب الفيديو جيم من "السايبر" ومقاهي الانترنت الي محيط ميدان التحرير بواسطة أطفال شاهدناهم علي شاشات التليفزيون في إحياء ذكري أحداث محمد محمود، وهم يقذفون الحجارة ويشعلون النيران في علم بلدهم فيحترق، ومعه قلبي حزنا علي ما وصل اليه حال الصغار في بلادنا الذي هو نتيجة طبيعية لصراعات الكبار الذين لا يميزون بين حرية التعبير وهمجية التدمير! الجديد في المشهد أن هؤلاء لم يكونوا من أطفال الشوارع، وظهروا بقوة في الأحداث وكأنهم فصيل سياسي أو حركة ثورية، وبدلا من أن نراهم يقفون في طابور المدرسة أصبحوا يشكلون جزءا من الطابور الخامس الذي يغتال حلم الوطن. أخشي علي مستقبل بلا أطفال، فبدلا من أن يحتفلوا بيوم الطفولة العالمي الذي وافق يوم عشرين من هذا الشهر، والبراءة في عيونهم، نراهم يصنعون العنف ويدمرون بعبثية كل الأشياء والمعاني الجميلة وأهمها براءتهم بعد أن دمر الكبار أمامهم كل المثل العليا وتحطمت القدوة واختلط العيب بألاعيب.. جرس انذار للآباء والأمهات وللمجتمع كله.. احموا الأطفال من أنفسهم وممن يستغلونهم، لنستطيع أن نحافظ علي ما تبقي من ملامح البراءة، ونحافظ علي ما تبقي من ملامح وطن! الحسابة بتحسب! الأربعاء: تعرفت عليها منذ شهور قليلة عندما كنت في سجل مدني النزهة أستخرج بطاقة الرقم القومي لابنتي، وكان هناك خطأ في شهادة الميلاد، ووجدت مدام راوية تشرح لي بهدوء المشكلة وتحاول مساعدتي في إيجاد أبسط الحلول التي لا ترهقني ولا تضيع وقتي، ولاحظت أثناء ترددي هناك عدة مرات، أن هذا سلوكها مع جميع المواطنين دون تمييز، وعندما شكرتها علي هذا الأداء المتميز، قالت لي ان الله وضع مصالح الناس أمانة بين يديها ويجب أن تكون أمينة عليها، فهذا ما تأخذ عليه أجرها من الله ثم من الدولة ، فذكرتني وقتها بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: "إن لله عبادا اختصهم بقضاء حوائج الناس، حببهم إلي الخير وحبب الخير إليهم، هم الآمنون من عذاب يوم القيامة"، تذكرتها وأنا أتعامل مع نموذج آخر، وهي موظفة في إحدي المصالح الحكومية، تضع في إصبعها طوال الوقت سبحة بالعداد، وجهها متجهم، لا ترد علي أي سؤال حتي لا يقطع المواطنون تركيزها في التسبيح أثناء العمل! وباليد الأخري تأخذ "المعلوم" تخليص الأوراق بنظام "الكوسة"، وتضعه بشكل أوتوماتيكي في حقيبتها المفتوحة، ثم تستأنف التسبيح.. والحسابة بتحسب! المرض اللذيذ ! الخميس: احساس بالاثارة والفرحة الطفولية والنشوة والارتياح ينتابني في كل مرة أضع قدمي في أي "مول" أو "هايبر ماركت" خاصة في حالات الضغط النفسي الذي أنساه تماما وأنا اندفع لشراء أي شئ للا شئ!.. ثم ما ان أعود الي المنزل حتي أشعر بالندم وأنا أفتح الأكياس المكتظة بقليل من الأشياء التي أريدها، والكثير مما لا أحتاجه ولا أعرف لماذا اشتريته! في البداية لم أكن أفهم ما الذي يحدث لي بالضبط ولكني قرأت مؤخرا دراسة أمريكية تشير الي ان هوس المرأة بالشراء يتم بشكل لا شعوري بسبب نشاط كهربائي داخل المخ يحدث اثناء الوجود داخل الأسواق ووسط السلع ويعتبر نوعا من الادمان! اكتشفت أنني من المصابات بهذا المرض، لأنني رغم الندم علي ما فات لا أقتصد أبدا فيما هو آت، وأدور في دائرة مفرغة من الشراء اللامتناهي. أخبرتني احدي صديقاتي التي كانت في حالة متقدمة جدااا من هذا المرض، أنها اضطرت للجوء لطبيب نفسي قبل أن تصبح "ع الحديدة" ونصحها بألا تذهب للتسوق وهي حزينة او سعيدة أو في حالة تعرضها لضغوط نفسية كما نصحها بتفريغ مشاعرها علي الورق او البوح لأحد المقربين منها أو ممارسة رياضة المشي مثلا وطلب منها اذا ذهبت للتسوق بأن تكتفي بمبلغ محدد في كل مرة وأن توجه هوسها بالشراء الي الانفاق في سبل الخير وشراء أشياء للمحتاجين والأيتام فبذلك تكون قد حققت متعة الشراء وأضافت بعدا انسانيا لحياتها وأثرت في حياة الآخرين.. تأثرت بتجربتها وأحاول أن افعل مثلها ولكن.. قليل من "الهوس" ميضرش!! قصاقيص: عندما تغسل عينيك من بكتريا المعصية.. عندما تجلي وجهك من سواد الذنوب.. عندما تُطري قلبك من قسوته.. عندما يختلط الألم بالأمل.. عندما تُذكرك بضعفك أمام عظمة الله.. ابتسم فإن بعد "هذه الدمعات" نور يرتسم. بعضنا كالحبر وبعضنا كالورق.. فلولا سواد بعضنا لكان البياض أصم.. ولولا بياض بعضنا لكان السواد أعمي (جبران خليل جبران). تعلمت: أن التنافس مع الذات هو أفضل تنافس في العالم، وكلما تنافس الإنسان مع نفسه تطور، بحيث لا يكون اليوم كما كان بالأمس، ولا يكون غداً كما هو اليوم.