ليس غريباً أن يختلف السلفيون مع الإخوان المسلمين بسبب الانتخابات التشريعية. السلفيون يقولون إنها بدعة وكل بدعة حرام ومن يأخذ بها سيشوي في النار وبئس المصير! الإخوان المسلمين لهم وجهة نظر أخري تستند إلي: »ما لم يدرك كله لا يترك جلّه«! فهم أي أعضاء »الجماعة« يخططون للهدف الأعلي: السطو علي الحكم في مصر. ولأن الحلم لن يتحقق بكسب تأييد المواطنين ونيل أصواتهم، فلا مفر أمام »الإخوان« إلاّ ابتكار تفسيرات إسلامية تجيز خوض الانتخابات بصفة مرحلية والفوز فيها بأعداد تتزايد المرة بعد الأخري، سعياً في النهاية لتحقيق الأغلبية البرلمانية التي بدونها لن يسقط الحكم في أيديهم! انتهازية، و وصولية، إخوان الجماعة لم تلق مهادنة من السلفيين. وقرأنا يوم الثلاثاء الماضي علي موقع »العربية« تصريحات لأحد دعاة السلفية المصريين يعلن رفض جماعته علي التصويت لصالح مرشحي الإخوان لأنهم أي السلفيين يرون أن الانتخابات أي انتخابات برلمانية محرّمة ، كما يرون، أن المسلمين الحقيقيين يعرفون الفارق الكبير بين النقيضين اللدودين: »ديمقراطية الكفر«، و» شوري الإسلام«. ولم يكتف الداعية السلفي »عبدالمنعم الشحات« بتحريم الانتخابات الديمقراطية كما يعرفها العالم وتتباهي بها أعرق النظم السياسية في الدول المتقدمة والمتحضرة وإنما أضاف مندداً بالتنازلات التي قدمها الإخوان وسمحت لهم بترشيح »غير المسلم«، و »المرأة« علي قوائمهم الانتخابية! ويضيف التقرير المهم الذي بثه موقع قناة »العربية« ان الجماعة سارعت بالرد علي مقاطعة السلفيين للانتخابات وحرمانها من أصواتهم من خلال »بيان علمي« حللت فيه مشاركتها في الانتخابات لأن عدم المشاركة »أمر مرفوض شرعاً«. وأغرب ما جاء في البيان، التبرير الذي قدمه كاتبه لخوض الانتخابات كواجب ديني، وفريضة إسلامية، قائلاً: » .. فعندما يدعو بعض الجهلاء لنظام غير إسلامي ك الديمقراطية، و العلمانية، و ولاية غير المسلم، و ولاية المرأة، وغيرها يستوجب علي الغالبية المسلمة وعلمائها التحرك وإقصاء هؤلاء الجهلة«. الغرابة هنا.. أن الداعية السلفي »الشيخ عبدالمنعم الشحات« برر عدم تأييده ومن معه لمرشحي الجماعة لأنها قدمت تنازلات خطيرة، في سبيل مشاركتها الانتخابية، مثل الجهر بقبولها »ولاية غير المسلم«، و أدرجت نساء علي قوائمها بما يعني موافقتها علي »ولاية المرأة«. وبدلاً من أن نسمع رداً من الجماعة علي اتهام »الشيخ الشحات«، فوجئت ببيانها العلمي ينادي كل مسلمي مصر ودعاتها، بعدم الهروب من المعركة الانتخابية وضرورة خوضها حتي يمكن »إقصاء الجهلاء الذين يدعون للديمقراطية والعلمانية وقبول »ولاية غير المسلم« والموافقة علي »ولاية المرأة«! الواضح أن كاتب البيان »العلمي« لم يقرأ جيداً مبررات تنديد السلفيين بمشاركة الإخوان في الانتخابات، وإلاّ لما برر المشاركة بالتصدي »للجهلاء الذين يقبلون بغير المسلم ويوافقون علي المرأة لتشرع لهم القوانين«؟! أليس هذا بالضبط ما تفعله الجماعة وهو ما أدي إلي تنديد السلفيين بها وبالتنازلات التي قدمتها أملاً من قادتها في الفوز بأصوات الناخبين المعتدلين غير السلفيين وغير المتعصبين؟! قد يتساءل البعض: وأين الغرابة فيما تقوله الجماعة ويأتي عكس ما فعلته؟! فهذه هي عادتها منذ قيامها وإلي اليوم! السلفيون يرفضون الانتخابات البرلمانية لأنها: »حرام* حرام«. والجماعة سعياً من جانبها للوصول إلي السلطة حللت تلك الانتخابات، كحل مرحلي، مؤقت.. لحين القفز علي الحكم، وبعد ذلك يُحرّم الحلال، وتلغي الانتخابات بكل أشكالها وأنواعها : برلمانية، ونقابية، ورياضية، وأدبية، وثقافية، وتعليمية، وغيرها. فتحت حكم الجماعة لا صوت إلاّ صوتها، ولا حل إلاّ حلها، ولا إسلام إلاّ إسلامها! حقيقة ان الجماعة قدمت تنازلات خطيرة أثارت غضب وتنديد الجماعة السلفية، لكن حقيقة أيضاً أن الجماعة كانت مضطرة لتقديمها ما دامت تؤمن بأن: »الغاية تبرر الوسيلة«. فلولا هذه التنازلات لما كسبت أصوات النساء الفاضلات المرشحات، ولا حظيت بكلمة مجاملة واحدة من المجتمع المدني الدولي الذي صدق قبول الجماعة ب »ولاية غير المسلم« و »ولاية المرأة«! جماعة الإخوان علي استعداد للقيام بأي شيء في سبيل انتزاع السلطة، وبمجرد تربعها علي منصة الحكم .. ستسارع بتراجعها عن تنازلاتها، لتعود سالمة إلي: جيناتها السلفية، وقواعدها الإظلامية.