المواطن الغلبان قليل الحيلة لم تلتفت إليه النظم المتعاقبة من بعد حكم عبد الناصر الذي اخذ من الغني ليعطي الفقير.. لم تلتفت إليه حتي النظم التي أتت بها الثورات.. المواطن الغلبان قليل الحيلة ضاع عمره بين فتات العيش وغيابات المحاكم وبطيء العدالة وفساد المرافق العامة.. حتي الفرصة التي أتت لهذا المواطن ضاعت في لجنة العشرة الامينة علي انتاج دستور للبلاد.. دعوني أحكي لكم ماذا حدث لهذا المسكين وهو مغيب بإرادة بعض مراكز القوي : الموظف المسكين.. التاجر الصغير.. العامل الغلبان.. عندما يكون له مستحق عند الخزانة العامة أو تطالبه الخزانة العامة بما لا تستحق يجبر علي الدخول قهرا في منازعات قضائيه تستغرق عمرا طويلا وتستنفذ منه حصيلة هذا العمر من صحة ومال.. وهنا برزت فكرة تسوية المنازعات قبل اللجوء للقضاء - المعمول بها في عديد من بلدان العالم وان كنت اكره هذا التعبير لأني أتمني أن نبتدع نحن نظاما صالحا في أي مجال وتحذوا حذونا فيه دول العالم لا هو بكثير علينا بل هو ما يستحقه هذا الشعب - المواطن الغلبان قليل الحيلة لو كان موظفا عاما فله بدل لرصيد إجازاته التي لم يتحصل عليها أثناء خدمته ربما يكون اجمالي مستحقاته ثلاثة ألاف جنيه ونظرا لان ذلك المبلغ بالنسبة له فك أزمه كبيرة فانه يلجأ الي سلطة الدولة التي تحميه وترعاه فيقيم دعوي أمام محكمة القضاء الاداري ذلك النوع من الدعاوي استقر قضاء مجلس الدولة علي أحقية المواطن فيها منذ سنوات عديدة و كثيرة.. إلا أن المواطن يرفع دعواه عن طريق احد الأساتذة الأفاضل محامي مصر الشرفاء ويظل هو ومحاميه يترددان علي محكمة القضاء الاداري طيلة أربع سنوات علي الأقل ليصدر الحكم للمواطن بما هو يعلم جيدا انه مستحق له وقت رفع الدعوي.. وإيمانا بحق هذا المواطن في الحياة وليس الموت.. برزت فكرة التسوية ليعرض المواطن حقه علي نائب الدولة القانوني - وهي في القانون المصري هيئة قضايا الدولة - ليقول المواطن بلغته البسيطة : أنا لي حق يا مصر.. ولان هذا النائب عن الدولة تحكمه في عمله قاعدة أصيلة منذ عام 1875 - وهو تاريخ إنشاء هيئة قضايا الدولة وهي أقدم الهيئات القضائية التي خرجت عظماء القانون والقضاء في المحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض ومجلس الدولة - وهي قاعدة أن الخزانة العامة لا تثري علي حساب المواطنين لأنهم من يملكونها في الأصل.. فعلي النائب أن يصدر تسوية في غير منازعة قضائية وسابقة علي اللجوء للمحاكم ليعطي الحق لصاحبه باعتباره نائبا عن المجتمع في حماية المال العام مدنيا وهو المفوض من الدولة باتخاذ الإجراءات القانونية للحفاظ علي ذلك المال العام - إذا ما أثير عليه نزاع - في حدود المواد المدنية.. واسند الامر بالفعل لهيئة قضايا الدولة التي اقترحت أن تجعل لتوصيتها حدا زمنيا أقصي مقداره أربعون يوما يبدأ من تاريخ طلب التسوية فإذا ما لم يرتضها المواطن فلازال بيده حق اللجوء لقاضيه الطبيعي وعندما ينظر الاخير الدعوي يكون النائب عن الدولة متبنيا ما انتهت إليه تسويته للمنازعة ويكون للمواطن الاعتراض عليها واستصدار حكم يلتزم به النائب القانوني.. ولكن لان هذا الأمر سوف ينهي كثيرا من المنازعات قبل أن تصبح قضائية وتتوه في غيابات المحاكم تم إنهاؤه ووأده قبل أن يولد وهو ما قامت به لجنة العشرة المنوط بها اصلاح دستور البلاد لصالح المواطن.. وهنا يتساءل المواطن الغلبان قليل الحيلة لمصلحة من تدار ان لم يكن لمصلحتي انا.. ؟ وهذه هي أولي حكايات المواطن البسيط قليل الحيلة نقصها علي ثورة 30 يونيو علها تشعر به بعدما تجاهلته الثورات.. تحيتي لشعب مصر العظيم..