جاءت أزمة ارتفاع أسعار القطن الخام عالميا وانعكاس هذه المشكلة علي أسعار »الغزول«. والقطن الذي يعد المحور الاساسي لصناعة النسيج القطني الخالص الغالي الثمن وكذلك النسيج المخلوط بالألياف الصناعية التي أصبحت تصنع منها النسبة الكبيرة من الملابس المتداولة. وتمثل هذه الزيادات طامة كبري لصناعة النسيج في مصر- التي تواجه خطر التداعي حاليا- مما يدفع بها إلي مزيد من الترنح الذي يهدد باضمحلالها وتشريد مئات الآلاف من العمال يحصلون علي رزقهم من العمل في هذا المجال. هذا يقود إلي مؤشرات باختفاء هذه الصناعة الوطنية التي كانت لها »شنة ورنة« في كل أنحاء العالم. وقد ظللنا لسنوات طويلة يقتصر انتاجنا من القطن علي »الطويل التيلة« الذي كانت تتهافت عليه مصانع النسيج الشهيرة في العالم لمميزات الخيوط الرفيعة جدا المصنوعة منه حيث كان يتم تصدير جانب منه وتحصل مصانعنا علي الكميات الباقية لتصنعه. وفي هذا الوقت كانت الأصوات ترتفع من وقت لآخر تطالب بعدم تصدير القطن الخام وانه من الضروري خلق فرص عمل لرفع المستوي الصناعي والتوسع والارتقاء بنسجه في مصر وتحويله إلي خيوط أو منتجات نسجية يتم تصديرها. ونتيجة ازدياد التكلفة الزراعية وانخفاض اسعار التصدير الخارجي وبالتالي اسعار شرائه في الداخل وتحت ضغط المنافسة الخارجية من خلال الاقبال علي شراء أنواع القطن قصير التيلة الذي تتم زراعته في العديد من دول العالم.. انخفضت عمليات زراعة القطن الوطني طويل التيلة التي كان من أسبابها تقلص مساحة الأرض المخصصة لزراعته. كان علي المصانع الوطنية العمل علي مواجهة هذه الظروف الصعبة بما يضمن استمرار نشاطها خاصة بعد تراجع انتاجها الكيفي والكمي لعدم توافر الماكينات الحديثة الاقتصادية باستثناء عدد قليل منها وهو ما دفعها إلي ان تلجأ إلي الاعتماد علي انتاج القطن قصير التيلة في مصر من نوعيات جيزة وغيره واستكمال باقي احتياجاتها من الاستيراد الخارجي. وبعد الطفرة الهائلة في اسعار جميع أنواع القطن هذا العام وبما فيها القطن قصير التيلة واجهت مصانع الغزل والنسيج في مصر خطر الانهيار الكامل نتيجة عدم قدرتها علي توفير احتياجاتها من القطن قصير التيلة والغزول المنتج منه محليا كما لجأ تجار القطن إلي بيع الكميات التي اشتروها من السوق المحلي إلي تصديرها بالاسعار المغرية المرتفعة في الخارج والتي تسبب فيها نقص انتاج العديد من الدول المنتجة الأخري التي تعرضت لعوامل الطقس القاسية وللفيضانات. كل هذه التطورات كانت مبررا لازدياد خطر توقف معظم مصانع الغزل والنسيج ولم يكن امام الدولة ولاسباب اجتماعية قبل ان تكون اقتصادية سوي التدخل لانقاذ ما يمكن انقاذه. وكما هو معروف فإننا لا نتحرك إلا عندما نصبح فريسة للأزمات المستعصية. ليس أدل علي ذلك تقاعسنا عن التحرك لانقاذ صناعة الغزل والنسيج رغم انها مستمرة منذ سنوات. لقد تركنا هذه الصناعة التي كنا نشتهر بها نهما للتأخر التكنولوجي وعدم الرعاية أو العناية أو القيام بالعمل علي إزالة ما يواجهها من مشاكل ومعوقات. وزاد الطين بلة فتح باب الاستيراد علي مصراعيه للمنسوجات المستوردة في وقت لم تعد فيه هذه الصناعة قادرة علي هذه المنافسة غير العادلة. وفي محاولة لاحتواء هذه الكارثة التي ساهمنا في صنعها بالاهمال وعدم الاهتمام تم اتخاذ عدد من الاجراءات لمساعدة صناعة الغزل والنسيج علي عبور الأزمة بإعفاء واردات الغزول من الرسوم الجمركية وزيادة الدعم المقدم للصادرات النسجية الوبرية بنسبة 05٪ من أجل تلبية العقود الخارجية. بالطبع ووفقا لما يقوله الخبراء في هذه الصناعة فإن هذه الإجراءات التي تم اتخاذها وقتية ولن تحل المشكلة حتي بعد تراجع أسعار القطن والغزول. انهم يطالبون بحلول جذرية تتضمن تسهيلات في التمويل المالي اللازم لتحديث المصانع وخفض تكلفة ادخال المرافق وتوفير العمالة المدربة من خلال تطوير المدارس الفنية.. هل يمكن ان تكون الحكومة جادة حقا في انقاذ اقدم صناعة في مصر؟ أتمني ذلك.