عرضنا في المقالين السابقين لبعض جوانب النقاط التي تناولها خطاب إسرائيل في الأممالمتحدة ونتناول تكملة التعليق في هذا المقال. لقد اختتم وزير الخارجية الاسرائيلي ليبرمان كلمته بأمرين: الأول: إن استمرار المشكلة الفلسطينية يحول دون بلورة جبهة دولية متحدة ضد إيران فعقب الوزير الاسرائيلي علي ذلك بأن الثورة الخمينية لم تقم بسبب المشكلة الفلسطينية وبرنامج التسلح النووي الايراني ليس له علاقة بالقضية الفلسطينية واستطرد بان إيران تستطيع إحباط أيه محاولة للسلام باستخدام الجماعات الموالية وأضاف أن إيران يمكن ان تبقي بدون حماس والجهاد الاسلامي وحزب الله ولكن الجماعات الارهابية لا تستطيع البقاء دون إيران ومن ثم يجب معالجة مشكلة إيران أولا. والثاني: إظهار نفسه كحمامة للسلام بقول النبي اشعيا »ستتحول السيوف الي محاريث والرماح الي شجر البرقوق ولن ترفع الأمم سيفاً ضد بعضها البعض ولن تتعلم الحرب بعد ذلك«. ومناقشة هادئة وعقلانية لهذا الخطاب نجده يتضمن أطروحات كما يلي: 1 أطروحات ملغومة: مثل الدعوة للفصل بين الفلسطينيين والاسرائيليين وهذه هدفها التخلص من موضوع عودة اللاجئين والقدس وطرح الفلسطينيين من كثير من المدن في الضفة الغربية لتحقيق الفصل، وربما حصرهم في مكان ما مثل صحراء النقب حيث الأراضي الصحراوية أو دفعهم نحو الأردن لأن الكتل السكانية الفلسطينية كثيفة فهو كلام ملغوم محمل بتفسيرات عديدة. 2- أطروحات غير صحيحة أو محرفة: بأن خمسة ليهود بنيت عليهم الحضارة الغربية أو مقولة النبي أشعيا عن السلام فهذا يعبر عن الأمل إذ أن تاريخ العالم هو تاريخ الصراع. وإسرائيل تتصرف كذلك. 3- أطروحات ملتبسة: مثل أن عدم الاستقرار في الشرق الاوسط ليس مرجعه النزاع الفلسطيني الاسرائيلي ولكن حرب العراق إيران، حرب الخليج، مذابح سوريا في حماه، النزاع بين اللبنانيين وبعضهم، وبين اليمنيين وبعضهم. وبين السودانيين الخ. أو أن السلام أقيم مع مصر والأردن رغم الاستيطان. هذه أطروحات مشوهة وملتبسة ففي السلام مع مصر لم يترك المصريون أية مستوطنة في سيناء. وكذلك لم تكن هناك مستوطنات في الأردن. الاستيطان في أرض فلسطين ومن ثم معالجة المشكلة الفلسطينية بوقف الاستيطان تماما والتعامل مع المشكلة لأنها تضيع حقوقهم في أراضيهم. 4- أطروحات صحيحة: وهي حديثة عن الأمتين والدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، وحديثة عن الثورة الخمينية، إنها قامت ضد النظام السابق وعن البرنامج النووي الايراني إنه يرتبط بإيران وأمنها ودورها. 5- أطروحات تاريخية خاطئة عن الشعب اليهودي وارتباطه بالأرض: هي أطروحة خاطئة فالشعب اليهودي لم يولد في تلك الأراضي كما ذكر ليبرمان بل ان هذه الارض هي ارض عربية من أيام الكنعانيين واليبوسيين والعموريين. وإنما الدولة اليهودية القديمة ظهرت مع سيدنا داوود وسليمان ثم تقاتل أبناء سليمان وجاء الغزوات لتقضي علي تلك الدولة وتشتت الشعب. وهنا نجد العبرة للفلسطينيين ان تقاتل الأشقاء يضعفهم ويقوي خصومهم ويغري منافسيهم. مقولة النبي اشعيا عن السلام عندما دخل فلسطين هي تعبير عن الأمل المستقبلي وليست حقيقة تمت من الناحية التاريخية، بل العكس هو الصحيح. فالصراع هو سنة الحياة ومحرك التاريخ عبر مسيرة البشرية منذ الصراع بين قابيل وهابيل وبعد ذلك بين الأمم والشعوب. الإدعاء بأن العرب غزاة لتلك الأرض مثل البيزنطيين والعثمانيين والمماليك إدعاء خاطئ تاريخياً كما سبق الاشارة. ونشير لبعض نقاط نري ضرورة الاهتمام بها من الجانب الفلسطيني في الرد علي التحدي الاسرائيلي بطريقة عملية وأكثر فاعلية ومن ذلك: أولا: أهمية الاتفاق الفلسطيني علي تحرير فلسطين بشتي الوسائل وعدم الصراع حول هوية الدولة ونظامها السياسي. ومن له السلطة قبل ان توجد الدولة لأن محصلة الصراع قبل الأوان ضياع الأرض تدريجياً في غضون سنوات قلائل. ثانيا: ضرورة عودة الفلسطينيين لمقولتهم التقليدية بأن الدم الفلسطيني خط احمر بعد ان أزالوا كافة الخطوط وانتهكوا المحظورات وأصبح الفلسطيني يقتل الفلسطيني ويحبسه ويعذبه. ولم يترك بذلك ذريعة لنقد إسرائيل. ثالثا: ضرورة العمل لتوفير المقومات الأربعة لبناء الدول وتقدمها التي أشرنا اليها في بداية المقال الأول. وهذا ليس بدعا في الثورات الواعية. فالثورة الصينية بنت المؤسسات قبل ان تستكمل التحرير والثورة الهندية شاركت في الحكم الذاتي تحت الانجليز قبل ان تحقق الاستقلال الكامل رابعا: المنظور الواقعي للوضع اليوم يقدم صورة قاتمة ولكن لو اتفق الفلسطينيون وابتعدوا عن القوي الاخري وخدمتهم لمصالحها واستخدامهم أداة لها في الصراع الاقليمي فيمكن ان يؤدي المنظور التاريخي دوره في تغيير المعادلة. وربما أيضا المنظور الديمغرافي المتراجع حاليا تحت تأثير التقدم التكنولوجي يمكن ان يسترد تأثيره. وختاماً فأنني أدعو كل فلسطيني لقراءة خطاب ليبرمان والتفكير في محاور علمية وعملية وواقعية وإستراتيجية بعيدة المدي للاستجابة لما يمثله من تحد حقيقي وكما إنني أتمني ان يكون كل عربي علي وعي بالفكر الاسرائيلي الحقيقي ومدي تطرفه.. كاتب المقال : باحث في الشئون الدولية