عند توقيع الرئيس الراحل أنورالسادات لمعاهدة كامب ديفيد ، أجري أحد مراكز البحوث التابعة للدولة أول استطلاع للرأي العام في مصر حول موقف المصريين من المعاهدة، لتؤكد نتائجه أن 100٪ ممن تم استطلاع رأيهم يقولون" نعم " للمعاهدة . ومنذ ذلك الحين تحول هذا الاستطلاع لنكتة يتم التندر بها في شتي جامعات العالم باعتباره أسوأ استطلاع للرأي غير مسبوق في التاريخ .وفي عام 2011 أظهر استطلاع للرأي أن عمرو موسي وعبد المنعم أبو الفتوح هما أكثر المرشحين فرصا للفوز ، ومن ثم سيكون أحدهما الرئيس ، ثم أثبتت الأيام أنهما ليسا فرسي الرهان ، وحل أحدهما رابعا والآخر خامسا .وقبل ذلك وفي الانتخابات البرلمانية عقب ثورة يناير ، فشلت كل استطلاعات الرأي في توقع نتائجها ،والآن نجد استطلاعات تتحدث عن أن شعبية الرئيس انخفضت بنسبة كذا وكذا أو زادت بنسبة كذا وكذا وهكذا . إخفاقات وإخفاقات كلها عنوان كبير للفشل الذريع لاستطلاعات الرأي العام في مصر ، والتي أصبحت يشار إليها بأصابع الاتهام كعمليات تزييف للرأي العام تفتقد المعايير العلمية والأخطر المهنية والأخلاقية . وربما كان هذا هو سبب هذه الندوة ، التي أقيمت أمس بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا بعنوان " مصداقية استطلاعات الرأي العام في مصر " والتي تنقلها هنا " الأخبار " . بدأت الندوة وهي الندوة العلمية الأولي لمركز بحوث و استطلاعات الرأي العام بجامعة مصر للعلوم و التكنولوجيا بكلمات استهلالية للدكتور فاروق ابو زيد رئيس المركز ، أعقبتها ثلاث جلسات ثم جلسة ختامية ، وكان المتحدثون الرئيسيون فيها من أساتذة الصحافة يتقدمهم الكاتب الصحفي لويس جريس والكاتب الصحفي السيد ياسين ، ، والدكتور محمد شومان عميد المعهد الدولي للإعلام بأكاديمية الشروق ، ود.ماجد عثمان وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات السابق و المدير العام للمركز المصري لبحوث الرأي العام " بصيرة " ، ود. علي عجوة العميد الأسبق لكلية الإعلام جامعة القاهرة ، ود. سامي الشريف عميد كلية الإعلام بالجامعة الحديثة والرئيس الأسبق لاتحاد الإذاعة والتليفزيون والدكتورة عزة الخميس استاذة الإعلام بجامعة مصر. وبينما تحدث لويس جريس عن " التجربة الأمريكية " في مجال استطلاعات الرأي العام ، تناول السيد ياسين قضية الثقة المفقودة في الاستطلاعات وعلاقتها بشتات المجتمع المصري السياسي الراهن ،بينما تحدث محمد شومان عن تجربة الديمقراطيات الناشئة في استطلاعات الرأي. ويكاد يجمع المشاركون في الندوة علي أن استطلاعات الرأي في مصر كذبة كبيرة ، ولا يمكن الثقة في نتائجها أو الاعتماد عليها ، لأنها في معظم الأحيان تنطوي علي عملية خداع للرأي العام ، وتزييف لوعيه .ويضيف أن أسباب ذلك واضحة للعيان ومنها عدم الكشف عن هوية جهة تمويل الاستطلاع ، رغم أنها من أهم الأساسيات المطبقة في العالم ، وأيضا عدم تمثيلها لكل شرائح المجتمع ، وبعضها بالتليفون "كالشحن ع الطاير " وبعضها كسؤال أعزب : " انت متجوز ليه " ؟!. ويؤكدون أن هذا هو السبب في نجاح استطلاعات الرأي في بعض دول الديمقراطيات الناشئة كبولندا وفشلها في بعض الدول كمصر والعراق وتونس. ويقول الدكتور فاروق أبو زيد إن أزمة استطلاعات الرأي في مصر قديمة منذ أول استطلاع للرأي في مصر وهو في نفس الوقت الأسوأ أجرته أحد مراكز البحوث الرسمية واظهرت نتائجه بموافقة 100٪ من المصريين علي كامب ديفيد ، وبالتالي سقطت الاستطلاعات وسقط معها أول مركز . ويري دكتور فاروق أنه لا يمكن أن تنجح استطلاعات الرأي إلا في مجتمع ديمقراطي وهذا أحد أسباب فشلها في مصر . وأضاف ان هناك مشكلة أخري هي مصدر تمويل الاستطلاعات الذي غالبا لا يكشف عنه . وأشار إلي انهيار مصداقية الاستطلاعات بسبب عدم استقلالية المراكز أيضا . وأكد أن مركزه الوليد يتبع جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا وأنها هي التي تموله ومن ثم يمكن أن يمارس نشاطه بحيدة ونزاهة . ويقول الدكتور محمد شومان إن استطلاعات الرأي العام في مصر ليس لها مصداقية ، وأشبه فعلا ب "كذبة كبيرة " بدليل النتائج التي أظهرتها قبل السباق الرئاسي ، والتي لم تتوقع فوز الرئيس محمد مرسي . ويقول لويس جريس إن التجربة الأمريكية في مجال الاستطلاعات ثرية لا سيما أن أمريكا من خلال معهد جالوب هي التي عرفت العالم الاستطلاعات . وقد اكتسب جالوب مصداقيته من اقتراب نتائجه من الحقيقة وليس - كما عندنا - نتائج لا تعبر عن الحقيقة .وعن استقلالية مراكز الاستطلاعات قال جريس عندنا حدث ولا حرج ، وتساءل كيف يمكن أن تكتسب استطلاعات مركز دهم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء مصداقية وهو تابع للدولة وفي قبضتها . أما السيد ياسين فقد أرجع فشل استطلاعات الرأي في مصر إلي أشياء كثيرة منها غياب القيم الديمقراطية وانقسام المجتمع انقساما معيبا وأنه لابد من التوافق . وقال إن في مصر بيئة مليئة بالشك ، وتنعدم فيها الثقة في الآخر . وقد طالب المشاركون في الندوة بضرورة بضرورة تشكيل مجلس وطني لمراكز استطلاعات الرأي لضمان مراقبة مصداقيتها وشفافيتها واستيفاء المعايير العلمية والمهنية فيما تقوم به مراكز استطلاع الرأي من استطلاعات ، وإعداد جيل من الشباب قادر علي أداء هذه المهمة بنزاهة وحيدة وموضوعية ومهنية . كما طالبوا بالكشف عن هوية جهات تمويل الاستطلاعات- كما في الخارج -