دعا مطران الطائفة الأرثوذكسية في بريطانيا أثاناسيوس داود جميع المسيحيين في العراق إلي مغادرة بلدهم بعد أن تعددت أعمال العنف المتزايدة ضد المسيحيين، وآخرها مذبحة كنيسة »سيدة النجاة« في بغداد، التي يتحمل مسئوليتها كل من تنظيم القاعدة، و الحكومة العراقية منتهية الصلاحية معاً. المذبحة لا تزال تلقي اهتماماً من أجهزة الإعلام العالمية سواء تلك التي تجد فيها فرصة للتنديد بأداء حكومة المالكي، وأجهزتها الأمنية، وحرصها علي ضرب وإبادة كل خصومها بمختلف طوائفهم ومعتقداتهم، أو الأخري من أجهزة الإعلام التي تساند الفوضي الشاملة التي يعيشها العراق في هذه الأيام، حيث القتل والتفجير اليومي في طول البلاد وعرضها بحيث يستحيل علي المراقب أن يحدد من يقتل من؟! الأستاذة الدكتورة:»إقبال الغربي« أستاذ علم النفس والعلوم التربوية في جامعة الزيتونة في المعهد العالي للدراسات الدينية، ومديرة مركز الإبداع في جامعة الزيتونة في تونس معروفة بكتاباتها الأكاديمية ضد التطرف الديني الأعمي الذي تزداد رقعته بدلاً من انحسارها. وتعليقاً علي ما عاناه ويعانيه الشعب العراقي من ويلات هذا التعصب اللاإنساني منذ الاحتلال الأمريكي وحتي اليوم كتبت الأستاذة التونسية د. إقبال الغربي مقالاً قوياً قرأته أمس، علي موقع »شفاف الشرق الأوسط«، بدأته بالحديث عن العراق »الذي يقدم لنا يومياً جرعة من الدم والدموع تجعلنا نضع مقولات ارتقاء البشرية من البربرية إلي الحضارة و من الهمجية إلي الثقافة، موضع سؤال وتساؤل! ولعل مذبحة كنيسة »سيدة النجاة« هي الحادثة التي خرّبت من جديد الصورة الحضارية للعراق كوريث لبابل، وكحامل لدستور حمورابي وزعزعت مشهد العلاقات بين الأديان والعيش المشترك«. والأستاذة الجامعية التونسية التي اختارت لبحثها عنواناً تتساءل به: »من يكترث لدم مسيحيي العراق ودموعهم في أرض الإسلام؟!« تتعجب من أن مسلسل استهداف المسيحيين في الشرق الأوسط يبدو كقدر لا رد له (..). أو كأن رسالة المفجرين هي:أيها المسيحيون في أرض الإسلام انتظروا دوركم! سنفجركم، سنعدمكم، سنستهدف الكنائس والأديرة، سنقتل المطارنة والرهبان، ولا دولة تحميكم ولا مجتمع مدني يكترث بكم. كلهم غير مبالين! وهذه مبالغة لواقع غير حقيقي. وأتصوّر أن الأستاذة الكاتبة تعلم جيداً أن التعميم لا يجوز في أمر خطير كهذا. وفي الوقت نفسه أعتقد أن »د. إقبال الغربي« ليست في حاجة لتفسير، أو تحديد، معني تلك الرسالة الإرهابية. فالغالبية من المسلمين تندد بما حدث لأخوتهم المسيحيين، وحكومات الدول العربية التي لديها مواطنون مسيحيون حريصة علي حمايتهم بنفس حرصها علي حماية مواطنيها المسلمين. هكذا أكد علي سبيل المثال الرئيس حسني مبارك، المرة بعد الأخري ، آخرها في حديثه التليفوني مع البابا شنودة. وإذا كانت الشعوب العربية تندد بجرائم المتطرفين، المتعصبين.. كما تطارد الحكومات فلولهم بحثاً عن المجرمين الذين يفجرون كل من يخالفهم الرأي أو الموقف أو الديانة.. فلا يمنع هذا أن تلك الشعوب ابتليت بإرهابيين لا يطيقون الآخرين، وبلغوا من الوحشية والجاهلية لدرجهم شن الهجمات وزرع المتفجرات في دور العبادات السماوية لتمزيق أجساد وخطف أرواح مواطنين سالمين، مسالمين، تنفيذاً لأوامر من أناس يعلونهم شأنا وأكثر منهم جهلاً، وإجراماً! هؤلاء، وأولئك.. هم كما أتصور كتبة الرسالة الإرهابية التي تخيلت أستاذة علم النفس التونسية »د. إقبال الغربي« إرسالها إلي أخوتنا المسيحيين في أرض الإسلام. فالكاتبة مذهولة مثل أكثريتنا مما يرتكبه المتطرفون في تطرفهم، المتعصبون لجاهليتهم في هذا الزمن المفترض أنه »زمن حقوق الإنسان، و الدفاع عن كرامته بصرف النظر عن دينه ومعتقده ولغته ونسبه وجنسه«. توقفت عند اقتناع د. إقبال الغربي بأن هذه الأعمال الإرهابية، في العراق، ليست بالجديدة. فهي مستمرة منذ سنوات، بهدف إقتلاع المسيحيين العراقيين من بلادهم وبلاد أجداد أجدادهم، وتحويلها علي أيدي أعتي المتطرفين المتعصبين إلي »أرض من لون واحد، لا حياة فيها، ولا حراك، ولا ثراء«. وتُفسّر الكاتبة كلماتها بأنها بداية لتطهير عرقي منظم، مستمر. ولا تكتفي الأستاذة الجامعية بتفسيرها، وإنما تحذرنا في الوقت نفسه من إننا سندفع كلنا ثمنه غالياً. .. وللحديث بقية.