هل تسرّع مطران الطائفة الأرثوذكسية في بريطانيا »أثاناسيوس داود« عندما دعا »جميع المسيحيين في العراق إلي مغادرة الدولة التي تشهد أعمال عنف متزايدة ضد المسيحيين من شتي الطوائف، وآخرها المذبحة التي يتحمل مسئوليتها أولاً: تنظيم القاعدة، و السلطات العراقية ثانياً؟! لا أعتقد أنه تسرّع. كما أعتقد أيضاً أن دعوته كان يقصد بها إحراج الحكومة العراقية التي لا تبذل أي جهد لحماية مواطنيها، أو تأمين دور العبادة بمختلف ديانات ومعتقدات المترددين عليها. قد يسألني البعض: »وأين هي تلك الحكومة التي تنتظر منها القيام بأبسط واجباتها؟!«. سؤال في محله. فلقد مضت شهور عديدة علي انتهاء الانتخابات التشريعية وحتي الآن لم تتشكل الحكومة الجديدة، رغم أن »جماعة إياد علاوي« السنية فازت بالأغلبية مما يعطيها الدستور والقانون الحق في تشكيلها! سبب الرفض والتأجيل يرجع إلي أن: »حكومة نوري المالكي« الشيعية الحاكمة منذ سنوات فقدت أغلبيتها في البرلمان وبالتالي انتهت صلاحيتها في رئاسة الحكومة، وهو ما يرفضه »المالكي« وترفضها معه: »جمهورية إيران الشيعية/ الإسلامية«! وهذا العجز العراقي عن تشكيل حكومة بديلاً عن تلك التي انتهت صلاحيتها منذ فترة طويلة ماضية، أوصل البلاد إلي ما هي عليه من فوضي عارمة لم تترك طائفة إلاّ نالت الأذي من طائفة أخري، ولم ينج من تداعياتها أنصار ملّة، أو أتباع ديانة، أو دراويش أضرحة. حقيقة أن تنظيم القاعدة في العراق الذي أطلق علي نفسه: دولة العراق الإسلامية أعلن مسئوليته عن مهاجمة كنيسة »سيدة النجاة« في بغداد، واحتجاز زوارها كرهائن إلي أن تلبي مطالبه، وأهمها »الإفراج عن مسلحين معتقلين في السجون«، وهو ما رفضته أجهزة الأمن العراقية.. لكن حقيقة أيضاً ان السلطة التنفيذية منتهية الصلاحية لم تجد من وسيلة لتحرير الكنيسة وزوارها من أيدي مسلحي القاعدة »السلفيين« غير تدخل قوات الأمن بالقوة لإنهاء احتلال الكنيسة وهدمها فوق رءوس من بداخلها بلا تفرقة بين مصلين مسالمين، وبين بلطجية وحوش بلا دين ولا ملة! فالمهم بالنسبة لهذه السلطات أن تنتهي الأزمة بالقضاء علي الجناة والضحايا.. معاً! هذا كله دار في رأس »المطران أثاناسيوس داود« مطران الطائفة الأرثوذكسية في بريطانيا وهو يدلي بتصريحاته لمندوب ال »سي.إن.إن« قائلاً: [أقول الآن وبوضوح.. علي المسيحيين أن يغادروا بلد أجدادنا، المحبوب، والعزيز، للنجاة من التطهير العرقي المتعمد.. فهذا أفضل من قتلهم الواحد بعد الآخر!]. وبرر دعوته بأن الحكومة العراقية »ضعيفة، و منحازة، وإن لم تكن متطرفة بدورها«. واتهم المطران العراقي والمقيم في بريطانيا السلطات العراقية بأنها:[لا تحمينا، ولا تحمي الأقليات الأخري. كما تتجاهل حقوقنا المشروعة.. لذلك فإننا نطالب الحكومة البريطانية ودول الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بحمايتنا]. رغم كل الأسباب التي قدمها مطران الطائفة الأرثوذكسية في بريطانيا تبريراً لدعوته الغريبة للمسيحيين العراقيين إلي أنها ستبقي في تصوري دعوة انفعالية، ومرفوضة من أناس ولدوا وعاشوا كما ولد وعاش أجداد أجدادهم في البلد الوحيد الذي ينتمون إليه، ثم يفاجأون بأحد رجال الدين يطالبهم خوفاً عليهم بالهجرة من العراق واللجوء إلي دول أخري غريبة عنهم! ذكرتني هذه الدعوة ببحث كتبه المؤرخ العربي المعروف:»كمال الصليبي«، وقرأت تلخيصاً له علي موقع »الأوان« بدأه الكاتب، الباحث، قائلاً: [يعز عليّ كثيراً: كوني عربياً انتسب إلي المسيحية (..) أن أكون الشخص الذي اختير ليطرح موضوعاً درجت تسميته ب: »تراجع الدور المسيحي في لبنان، أو في المشرق العربي، أو في عالم العرب عموما«. وكأن المسيحيين في ديارنا ليسوا سوي بقية باقية من شعب منقرض. بقية تنتظر دورها لتنزلق في متاهات الزوال!]. ويضيف الأستاذ كمال الصليبي مندهشاً ومعترضاً: [إن مجرد طرح هذا الموضوع، من قبل العرب المسيحيين، هو في رأيي افتراض في غير محله، لأنه يتجاهل حقائق تاريخية، وحضارية، ووجودية، ولأنه يعني ضمناً ان العربي المسيحي لا يعتبر عربياً بكامل معني الكلمة لمجرد وجوده حيث هو.. مهما كان موقف العربي الآخر منه!]. ومن الاندهاش والرفض ينتقل الباحث كمال الصليبي إلي الإيضاح والتذكير، فيقول: [إن الموضوع الذي يجب أن يطرح ليس عن »تراجع الدور المسيحي في عالم العرب بصفة عامة، بل موضوع آخر أكثر منه خطورة، ويمكن إيجازه كالآتي: ما هو مصير العرب كشعب تاريخي في حال زوال النصاري من بينهم؟!]. .. الإجابة عن السؤال نتعرّف عليها غداً.