د. م نادر رياض أوردنا في المقال السابق عن أهمية وضرورة ما لا يجب إهداره مما تبقي من خطة تصنيع مصر الأولي وهي القلاع الصناعية المملوكة للدولة والتي أصابها التقادم والإهمال لكنها بقيت حجر زاوية لتحقيق الانطلاقة الصناعية . وينحصر مقالنا اليوم عن إحدي أولويات البنية الأساسية الصناعية التي تحتاجها الصناعة المصرية لتتمكن من النهوض ألا وهو مصنع الحديد والصلب المملوك بالكامل للدولة باعتباره نقطة التوازن في صناعة الحديد والصلب لما يملكه من إمكانيات لا تتوافر لغيره من المصانع الأخري وفي عودته لممارسة دوره الوطني الاقتصادي تمكين لباقي صناعات الحديد والصلب لتنطلق متكاملة معه لتحقق الطموحات المعقودة عليها داخياً وخارجياً . ويعتبر مصنع الحديد والصلب حجر الزاوية في صناعة الحديد والصلب إذ يتميز عن غيره من المشروعات الأخري بأنه الوحيد الذي ينتج الزوايا والخوص والقطاعات وأيضاً قضبان السكك الحديدية البطيئة (الديكوفيل)، كما انه يعتبر العمود الفقري في إنتاج حديد التسليح وشرائح الصاج المدرفلة علي البارد بخلاف المصانع الأخري التي لا تنتجها.. بدأ المصنع نشاطه مع خطة تصنيع مصر التي تبناها الدكتور عزيز صدقي تحت حكم الرئيس جمال عبد الناصر وذلك بتكنولوجيا ألمانية لم تستمر طويلاً لقطع العلاقات مع ألمانيا من الجانبين مما نحا بالقيادة السياسية إلي التوجيه باستخدام التكنولوجيا الروسية التي بدأت متقدمة علي محدوديتها إلا أن تأخرها عن مواكبة التكنولوجيات الحديثة عرض مصنع الحديد والصلب لكثير من الكبوات مع انقطاع خطوط التواصل التكنولوجي مع روسيا بالإضافة إلي تلك التكنولوجيات القديمة لم تعد مطبقة في روسيا ذاتها فيما بعد . يعمل بالمصنع نحو 13000 عامل وتستخدم آلاف الصناعات المصرية منتجاته كمدخل اساسي لمنتجاتها كما يصدر المصنع حوالي 20٪ من إنتاجه للخارج ويغطي بجميع منتجاته كافة المرافق والخدمات والورش الميكانيكية والكهربائية ومعدات النقل ويستحوذ علي مناجم الخامات والحجر الجيري والدولوميت ويشمل الإنتاج جميع مراحل تصنيع منتجات الصلب من إنتاج الحديد الغفل (الزهر) من خامات الحديد المتوفرة محلياً وكذا تحويل الزهر الي صلب والصب في صورة مربعات وبلاطات درفلة المسطحات ودرفلة القطاعات الطويلة .. هذا الصرح الصناعي العملاق يعاني حالياً من الحاجة الملحة لتحديث خطوط إنتاجه والمضي قدماً في تطوير التكنولوجيا المستعملة حتي لا يتوقف عن الإنتاج وذلك بعدد من المحاور الهامة تتمثل في : أولا كخطة عاجلة ،البدء فوراً في إجراءات استيراد 300 ألف طن فحم كوك حتي لا تتوقف الأفران العالية وذلك لحين إتمام أعمال تأهيل وصيانة بطاريات شركة الكوك المنهارة حالياً والتي من المتوقع أن تستغرق أعمال تجديدها حوالي ثلاث سنوات وفي نفس الوقت استمرار التنسيق مع مصنع الكوك والسعي لإيجاد علاقة إستراتيجية بين مصنعي الحديد والصلب و الكوك وذلك للارتباط الوثيق بينهما في هذه الصناعة.. ثانياً - تنفيذ خطة خمسية لتطوير وتحديث خطوط الإنتاج تعتمد علي تكنولوجيا ألمانية تعمل علي: إنشاء خط متكامل لإنتاج حديد تسليح بطاقة 600 ألف طن سنوياً يعتمد بصفة أساسية علي فرن كهرباء لصهر الخردة مشتملاً علي وحدة صب المربعات .. تأهيل الكسارات والطواحين والمناخل بالمناجم وإحلال وتجديد الكراكات ومعدات النقل الثقيل بالمناجم والمحاجر تطوير وسائل نقل الخامات للمصانع ( جرارات خطوط سكك حديدية وعربات نقل المعدن المنصهر - خطوط السيور الناقلة - الشاحنات ومعدات النقل الثقيل ) .. إحلال وتجديد معدات مركز التحكم الآلي في الشبكات الكهربائية بالشركة تحديث أجهزة القياس والمعايرة ووضع آليات لضبط أداء وحدات إنتاج الطاقة بالمصانع تأهيل الورش الإنتاجية لتحسين كفاءة وجودة إنتاج قطع الغيار اللازمة للتشغيل المستمر. . أخذاً في الاعتبار أهمية عنصر الوقت في انجاز الهيكلة الفنية والتكنولوجية والبدء فوراً في تأهيل الكوادر الفنية وتزويدها بمعامل متابعة الإنتاج وقياسات الجودة ،إذ أن الوقت الحالي يشهد انخفاضاً في أسعار الحديد والصلب بالخارج في الوقت الذي تتجه أسعار الحديد والصلب المنتج محلياً لارتفاع التكلفة الصناعية متأثرة بارتفاع أسعار الوقود والغاز والكهرباء وأيضاً الأجور ، مما يهدد بإحداث فجوة سعرية في أسعار الحديد والصلب ينجم عنها زيادة الإقبال علي المستورد من الحديد والصلب مما يسبب ركوداً للمنتج المحلي منه.. ولعل هذا الموقف يحدو بنا إلي إعادة النظر في ضرورة العودة لتبعية وإشراف وزارة الصناعة علي مصنع الحديد والصلب المملوك للدولة وكذا الصناعات الاستراتيجة الأخري والتي تشكل أهمية إستراتيجية للبنية التحتية الصناعية وذلك لأنها الوزارة الأولي والأكثر تخصصاً في عملية النهوض بتلك الصناعات وتوفير الحماية والرعاية المطلوبة لها كي تؤدي دورها الوطني بعد أن طال أمد إهمالها مما أوصلها لهذه الحالة المتأخرة. هذا مع عدم الإخلال بتبعية المصانع والشركات الداخلة في برامج الإدماج أو التصفية أو البيع لوزارة قطاع الإعمال العام بوضعها الحالي لما لها من خبرة تراكمية في مثل هذه الإجراءات.. بقي أن نؤكد علي أن مصانع الحديد والصلب المصرية المملوكة بالكامل للدولة تشكل نقطة توازن في سوق الحديد ، وفي انهيار هذا المصنع ستقع الصناعة المصرية بالكامل فريسة في أيدي الاحتكارات الساعية إلي الربحية السريعة بعض النظر عن مقتضيات النهوض بباقي الصناعات... وإلي لقاء متجدد نتواصل فيه حول إحدي القلاع الصناعية أو المرافق المملوكة للدولة والتي تدخل في منظومة النهوض بالصناعة المصرية كمكون داعم لها.