محمد عبد المقصود .. وعملت في مهنة الخاطبة أسبوعا.. وخرجت من التجربة بفشل ذريع.. ورجعت إلي خالتي أم محمود خاطبة بلدتنا وكلفتها أن تبحث لي عن عروس!! لم أفكر ولم يجل بخاطري أن أعمل في هذه المهنة يوما ما.. ولا أعرف سببا لذلك وان كانت هناك عدة أسباب قد يكون أحدها هو الذي يمنعني من مجرد التفكير في هذا العمل.. ربما لأنني بحكم تكويني العقلي والجسماني لا أصلح لهذه المهمام.. لا أقتنع مطلقا بالزواج الذي يتم بين الرجل وامرأة عن طريق العوامل الوسيطة والمراسلات والصور دون لقاء واعجاب وخفقان قلب وتفاهم وايثار واستعداد للتضحية.. في رأيي أن هذا العصر قد انتهي بزوال عصر الحريم في مصر وخروج المرأة للتعليم والعمل وسفورها بل وتبرجها في كثير من الاحيان.. ربما لأنني لا أمتلك موهبةالتنميق والتجميل واختيار العبارات الجميلة التي تقلب القبح إلي حسن و »الغراب« إلي غزال شارد والدمامة إلي جمال خارق والمثالب إلي محاسن ومزايا والنقائص إلي أعظم الفضائل.. هذه ميزة لا أدعيها وموهبة لا أتمتع بها ولا أطمع فيها ونقيصة لا أظنها تحسب علي ثم انني - والحمد لله الذي لا يحمد علي مكروه سواه - لا أمتلك القدرة علي الصبر الطويل والمثابرة والنفس الطويل.. ولا أجيد تقليد أخونا العزيز صاحب سياسة »المكوك« هنري كسنجر في نقل وجهات النظر المختلفة بين طرفي الخطوبة مع التحابيش اللازمة حتي يكون »الوفاق« هو محصلة »الجهد« المبذول ويكون الزفاف هو نهاية »الشوط«. ومن جهه ثالثة أعترف أن حواء وبناتها قد تفوقن علي الجنس الخشن في هذا التخصص. بل أستطيع أن أقرر - دون حقد أو حسد - أنهن استحوذن علي هذه المهنة وأصبحت حكرا عليهن وأصبح هذا المجال مغلقا أمام آدم وأبنائه. وان المرأة أقدر علي فهم طبيعة اختها ولديها المقدرة علي ابراز ما في نفسها ويتلاشي الخجل المصطنع عند اجتماعهن بعيدا عن عين آدم وأولاده. وقد يكون وقتي مسئولا مسئولية مباشرة عن عدم التفكير في احتراف هذه المهنة.. لهذه الأسباب وغيرها لم أفكر في هذا العمل رغم مكاسبه. ولكن القدر يلعب لعبته ويصدر حكمه. وأمام حكم القدر يصبح المستحيل حقيقة واقعة في غمضة عين.. لقد اجتمع الضدان وتلاقي المتوازيان.. وعملت صحفياً وخاطبة ولذلك قصة طريفة. كنت أنفذ موضوعات ليلة القدر وكان من بينها موضوع عن احدي طالبات الجامعة أهدتها ليلة القدر ماكينة خياطة حتي تستكمل كفاحها ولتواصل تعليمها مع أخيها إلي نهاية الشوط بعيدا عن مخالب الذئاب المتمسح في مسوح الرهبان.. وكتبت موضوعي ونشر في الجريدة وظننت أن المسألة انتهت إلي هذا الحد.. الطالبة حصلت علي هديتها وكتبت أنا الموضوع ونشر. ولكن.. اتصل بي أحد القراء تليفونيا - ولم أكن موجودا - وطلب مقابلتي لأمر هام - وطلب أن أنتظره في صباح اليوم التالي لأمر هام جدا - ورفض أن يفصح عنه لأي من الزملاء الذين حاولوا أن يعرفوا السبب.. وطلب وأكد أن أنتظره وسيتولي هو شرح كل شيء لي.. وأبلغني الزملاء بالمكالمة.. حاولت أن أعرف شيئا عما دار فيها ولكنهم أجمعوا علي أنه يريدني لأمر شخصي جدا. وقابلته في صباح اليوم التالي وفوجئت به يطلب مني أن أصحبه إلي منزل هذه الطالبة لأنه معجب بها ويريد أن يتزوجها.. ضحكت في نفسي.. إنني الآن تحولت إلي خاطبة!! أمهلته حتي الثالثة مساء وسألت رؤسائي في العمل واصطحبته عند عودته إلي بيتها.. وتوليت تقديمه لها وتقديمها له مبرزا محاسن كل منهما علي حد معرفتي المتواضعة بهما. وحاولت أن أنسحب من الميدان تاركا لهما حرية الاختيار ولكنهما رفضا ذلك وتمسكا بوجودي.. وعملت في هذه المهنة اسبوعا كاملا.. انتهت العملية ولم يقدر لها النجاح وخرجت من أول تجربة بفشل ذريع.. وقد أيقنت وازداد ايماني بعجز أبناء آدم عن العمل في هذه المهنة الصعبة.. ورجعت إلي خالتي أم محمود خاطبة بلدنا وكلفتها أن تبحث لي عن عروسة!! هذه الواقعة تمت في عام 7791 وكنت في بداية عملي الصحفي.. أما اليوم فرأينا الزواج عن طريق أبواب الصحف.. وعن طريق الانترنت.. وغيرها من الوسائل الالكترونية.. وتوارت خالتي أم محمود بعيدا.. ولم يعد لها وجود. عايز عروسة وعلي ذكر الخاطبة ودورها في التوفيق بين رأسين في الحلال قرأت اليوم قطعة أدبية لشاعر مجهول.. وأردت أن أشرك قارئ اليوميات معي.. تقول أبياتها: بعث امرؤ لأبي عزيزة مرة برسالة يبكي ويضحك ما بها فيها يقول أريد منك حبيبة حسناء معروف لديكم أصلها وأديبة، ولطيفة، وعفيفة وحليمة، ورزينة في عقلها قد أحرزت في العلم غير شهادة وعلي النسا طرا تفوق بعقلها وتكون أيضا ذات مال وافر تعطيه من بعد الزواج لبعلها وأريد منها أن تكون مطيعة أمري، فتتبعني وتهجر أهلها وقد رد أبو عزيزة علي الخاطب بقوله: وافي كتابك سيدي فقرأته وعرفت هاتيك المطالب كلها لو كنت أقدر أن أري من تشتهي طلقت أم عزيزة، وأخذتها وتذكرني هذه الابيات بالاشتراطات الصعبة التي يطلبها العريس في عروسه وهي غالبا لا تتحقق أو التي تضعها العروس في عريس المستقبل حيث تري أنه ولابد أن يكون أنيقا، وجميلا. وغنيا، وذا منصب، وكريما، وحليما وغيرها من الصفات التي قلما تتوافر في شخص واحد.. ولهذا تكثر حالات الطلاق بين بناتنا وأبنائنا في سنوات الزواج الاولي لأن كل شريك لم يجد ما يتمناه في شريك حياته. القصاص.. والبحيرة الثلاثاء: كان المرحوم الأستاذ الدكتور محمد عبد الفتاح القصاص خبير البيئة العالمي صاحب أسلوب مميز في شرح قضايا البيئة للاعلاميين لايمانه بأنهم خير من يوصل رسائل العلماء لصناع القرار والمسئولين ولعامة الشعب.. وبقدر هدوئه في شرح أعقد الموضوعات البيئية إلا أنني رأيته مرة واحدة ثائرا متخليا عن هدوئه المعهود.. كان ذلك في بداية التسعينيات من القرن الماضي.. وكنا في مؤتمر عقد في مدينة أسوان حول التنمية بالمنطقة المحيطة ببحيرة ناصر.. الحضور جميعا كانوا يمثلون مختلف مؤسسات الدولة من الزراعة والنقل والاسكان والصناعة والتعدين والثروة السمكية والسياحة والكهرباء والبيئة.. وكنت وزميلي فوزي عبد الحليم مدير تحرير الأهرام ممثلين للاعلام في هذا المؤتمر. وتباري المسئولون - كل في مجاله - في أهمية اقامة مشروعات علي ضفاف البحيرة وتعمير هذه المنطقة وأنه يمكن استغلالها في الزراعة الشاطئية.. والتعدين.. ونقل السياح والربط بين مصر والسودان والتوسع في اعداد السفن النهرية العاملة في البحيرة.. واقامة مجتمعات عمرانية.. وجاء الدور علي عالمنا الجليل ليتحدث فاذا بثورة بركان غاضب تنطلق.. محذرا من التنمية العشوائية حول البحيرة واقامة أنشطة تهددها بالتلوث.. مشيرا إلي أن البحيرة هي خزان مصر المائي الذي يمدها بالحياة في سنوات الفيضان المنخفض وهي الاحتياطي الاستراتيجي بما تحويه من مليارات الأمتار المكعبة من المياه العذبة.. فاذا مالوثتها بمتبقيات مبيدات ومخصبات الزراعة.. ومخلفات الصرف الصناعي من المصانع ومخلفات التعدين.. والزيوت الناتجة عن حركة السفن والصنادل.. فإنني بذلك أقضي علي هذا الخزان الاستراتيجي من المياه التي هي عصب الحياه في مصر.. وطالب العالم الجليل بوضع إستراتيجية للتنمية في المناطق المحيطة بالبحيرة تراعي الابعاد البيئية.. وشدد علي وزراء البيئة المتعاقبين علي ضرورة عدم التهاون في التصدي لأي شبهة خطر يهدد مياه البحيرة.. وضرورة اجراء دراسات لتقييم الاثر البيئي لأي مشروع قبل البدء فيه محملهم مسئولية اهدار هذا الخزان الحيوي. واليوم تتردد دعوات لاقامة العديد من المشروعات في المنطقة المحيطة ببحيرة ناصر.. وقد مات الدكتور القصاص.. ولكن ابناءه وتلاميذه من رجال البيئة وعلماء مصر سيتصدون لهذه الدعوات حفاظا علي مياه البحيرة. وأدعو من يروج لهذه المشروعات أن يجري دراسات مستفيضة للمنطقة وطبيعتها ولا مانع من اقامة المشروعات التي لا تضر بالبحيرة وإبعادها عن شواطئ البحيرة مسافات تسمح بعدم نفاذ الملوثات لها.. وأعتقد أن أبناء القصاص لن يبخلوا بعلمهم وجهدهم لكي تكون تنمية هذه المنطقة تنمية مستدامة وليست تنمية عشوائية. آل البيت الخميس: المصريون جميعهم يعشقون آل بيت النبي صلي الله عليه وسلم، ويتبركون بهم ويزورون أضرحتهم امتثالا لقول الله جل وعلا علي لسان رسوله الكريم: »قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي«.. معتبرين أن زيارة مساجد وأضرحة آل البيت مودة للرسول صلي الله عليه وسلم.. وبعض المصريين لا يكتفون بالزيارة بل يؤلفون الكتب عن آل البيت.. وآخر هؤلاء الذين تقربوا لآل البيت بالكتابة عنهم الزميل الاستاذ حنفي المحلاوي الذي نشرت له دار نشر عالم الكتب كتابا تحت عنوان رجال ونساء آل البيت ومساجدهم في مصر. والكتاب تتجلي صفحاته بالحب العميق لآل البيت الذين عاشوا وماتوا ودفنوا في مصر.. ويقول المؤلف في مقدمة كتابه: »عندما هداني رب العالمين، وأخذت أحاول أن ألبي ما بداخلي من نداء عظيم بشأن الكتابة عن آل البيت.. استجبت فورا لهذا النداء الذي أخذ يطفو داخل صدري وفوق لساني لسنوات طويلة وعقدت العزم أن تكون هذه الاوراق رحلة أستقصي من خلالها أماكن تواجد آل البيت خاصة الذين وفدوا إلي مصر.. ويضم الكتاب فصلا تمهيديا عن تعريف من هم آل البيت، ومن الذين تنطلق عليهم هذه التسمية.. وخصص الباب الثاني للحديث عن آل البيت في مصر معرفا بهم وبسيرتهم وهم حفيدات وأحفاد الرسول صلي الله عليه وسلم.. والأولياء من آل البيت وكيف يحتفل المصريون بهم وكيف رحب المصريون بقدومهم والبركات التي حلت علي مصر بوجودهم علي أرضها والموالد التي يحتفل بها المصريون وهل اصطنعها الفاطميون أم هي عادة للمصريين للتعبير عن حبهم لآل بيت رسول الله.. والكتاب مزود بمجموعة من الصور لمساجد وأضرحة آل بيت الرسول في مصر وهو رحلة ممتعة أخذتني من كل مشاغلي حتي انتهيت من صفحاته التي تربو علي مائتي صفحة.