لم يدرك البعض قيمة وقدر الهدية الربانية التي منحها الله لنا كمصريين وتهيئة المناخ لإزالة الغمة.. ونجاح ثورتنا المباركة وبدلا من أن نسجد له شكراً.. ونحمده أناء الليل وأطراف النهار.. فإذا بنا نبحث عن ذاتنا ونخرج من قلوبنا ما كنا نخفيه.. وخرجت كل طائفة أو فئة تطالب بما كانت لا تستطيع أن تطالب به قبل الثورة.. والحكمة والعقل والمنطق أن نتريث ونتمهل حتي تهدأ الأوضاع.. ولا نستعجل جني ثمار بستان جميل لم ينضج ثماره بعد.. وإذا كانت فئات من المجتمع لها بعض العذر فيما تقوم به.. فإن التيار الاسلامي ليس له محل من الاعراب أو العذر فيما يجري علي الساحة المصرية.. وقيام طائفة أو فصيل اختاروا لأنفسهم تسمية السلفيين.. بما يعني تمسكهم بالسلف الصالح.. وقبل الدخول في تفاصيل الأحداث.. أريد إجابة شافية عن سؤالي: هل يكتمل إيمان المسلم.. دون التمسك بسنن الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم.. والتمسك بأفعاله وأقواله والالتزام بأوامر الله ونواهيه.. ثم اتباعنا لسلوكيات وأفعال الصحابة والتابعين وتابع التابعين بما نقلوه عن الحبيب المصطفي.. لقد كانوا يجتهدون فيما لا يجدونه في الكتاب والسنة واستمرت حركة أهل الإيمان منذ أكثر من 1400 عام حتي الآن.. كانت هناك خلافات فيما بينهم في أمور فرعية لا تؤثر في اكتمال الإيمان إن فعلها أو لم يفعلها.. ولكن كان اختلافهم رحمة.. وكانوا يقدرون فكر وتدبر الاجتهاد.. وعلي سبيل المثال: في صلاة العصر في بني قريظة.. لم يسب الصحابة الذين صلوا العصر في الطريق ويتهموهم بمخالفة أوامر الرسول صلي الله عليه وسلم.. ولم يتهم الفريق الآخر بأن الذين صلوا في بني قريظة بأنهم لم يؤدوا صلاة العصر »الصلاة الوسطي« في مواعيدها.. وقد أقر الرسول صلي الله عليه وسلم لفريقين وقياسا علي احداث التاريخ الاسلامي الذي شهد بعض الفتن.. كفتنة خلق القرآن وغيرها.. نجد احتراماً كاملاً بين العلماء.. حتي الأئمة الأربعة كانوا أشد تقديراً واحتراما فيما بينهم رغم الاختلاف وها هو ذا الامام الشافعي رضي الله عنه يقول: رأيي صواب يحتمل الخطأ.. ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب .. إلا أن اخواننا السلفيين وغيرهم من بعض الفصائل أو الطوائف الاسلامية أصبح رأيهم هو الصواب.. ورأي غيرهم خطأ وربما أصبحوا مشركين أو كفرة.. حتي إن بعضهم من الشباب الصغير حديث السن.. لا يلقون السلام.. إلا لمن كانت لحيته مرسلة وليست مهذبة.. حتي وإن كان وليا تقيا نقيا ورعا مخلصا لله ورسوله ومحبا لصحابته وآل بيته.. ثم تطور الامر بالسلفيين إلي مرحلة خطيرة تألم لها الملايين من المسلمين.. وهي حرق الأضرحة.. ثم التباهي والافتخار بفعلتهم.. وأعلنوا.. أنهم يجاهدون في سبيل الله.. ويمنعون المنكر.. أو الشرك والكفر.. وفضلوا أسلوب العنف بدلا من الجدال بالتي هي أحسن..وإذا كنت أشعر بأن المؤمن الحق.. أكثر رقة ولينا مع الناس.. فإن الواجب الإيماني يحتم علي الداعية أن يخاطب الناس علي قدر عقولهم ويصل إلي قلوبهم بالكلمة الطيبة.. فالداعية المخلص تصل كلماته إلي القلوب والأرواح كما تصل الكهرباء إلي المصباح فيضيء لا سيما أن القلوب علي أكف الرحمن يقلبها كل يوم كيف يشاء. وللأسف زرع إخواننا السلفيون وكلنا مع السلف الصالح رضوان الله عليهم فتنة نحن في غني عنها الآن.. لأن أهل الارض ينظرون لنا جميعا.. وهم منبهرون بثورتنا الربانية.. ويضعونا كمسلمين تحت المجهر »المنظار« ليروا ماذا سنفعل .. هل سوف نذبح أهل الذمة ونقطع يد السارق.. ونجلد المتحرشين بالنساء.. ونخطف المتبرجات.. إلخ.. أم نقيم العدل الذي هو أساس الملك.. وننشر الفضيلة ونبني الدولة الحديثة.. التي يرضي عنها الله ورسوله وكل مؤمن علي سطح الأرض؟!.. لقد كان ثقيلا علي الناس حرق أضرحة أولياء الله الصالحين.. وأعتقد أن الذي قام بهذه الأفعال صبية.. تم تلقينهم بمفهوم خاطئ عن هذه الأضرحة.. وأفهموهم بأنها تعبد في الأرض من دون الله.. !! فظنوا أن حرقها علي طريقة تحطيم الأصنام حول الكعبة .. والهتاف: قل جاء الحق وزهق الباطل أن الباطل كان زهوقا .. وأعرف جيدا إنهم لم يدخلوا مسجدا فيه ضريح.. لأن كل الاضرحة الموجودة داخل المساجد هي بعيدة تماما عن المسجد.. ولها حجرة مستقلة.. ومعزولة عن المسجد.. كما أنه لا يمكن الدوران حول الضريح.. فقد تم اقتسامه لنصفين من جانب للرجال.. وآخر للنساء.. ورضي الله عن شيخنا الشعراوي عندما سألوه عن الاضرحة.. قال: إنها مقصورة داخل مقصورة وصاحب الضريح في قبر أسفل الأرض.. وتم بناء جدار عازل.. ثم كانت المقصورة الخارجية للمقام.. وبذلك انتفت صفة المقبرة وباتت في معزلة عن البناء المحيط بها.. لسنا هنا بصدد شرح حديث سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي لعن فيه بني إسرائيل لاتخاذها قبور أنبيائهم مساجد.. فقد شرح الحديث علماء كثيرون.. وهناك فرق بين الأنبياء والأولياء.. النقطة المهمة في هذا الأمر أن الذي يصلي في مسجد به ضريح.. يتجه إلي القبلة ويضعها نصب عينيه وسجوده خالصاً لله الواحد الأحد.. الفرد الصمد.. وليس لصاحب القبر.. إلا أن إخواننا الذين أحبهم في الله »السلفيين« أسمونا بالقبوريين.. ووصل بعضهم لوصفنا بالمشركين »أستغفر الله لي ولهم«.. ثم سبق أن كفروا سيدنا أبوحنيفة رضي الله عنه وهم لا يدركون سبب زيارتنا لصاحب المقام أو الضريح.. وهي زيارة روحية بحتة تتقابل فيها الأرواح.. وليس الأشباح.. فالمؤمن الحق.. الذي يصفو جسده تسمو روحه.. بعد رياضة في عبادة الله وطاعته وقيام الليل.. وملازمة الذكر وتلاوة القرآن.. والتسابيح.. والصلاة علي الرسول »صلي الله عليه وسلم«..وتصبح الدنيا عنده كجيفة..وتموت فيه الشهوة.. فلا يستطعمها إلا لتعينه علي الحياة.. ومن علت روحه وسمت..لا يجد متعة ولا لذة في الدنيا.. الا بتلاقي هذه الروح مع الأرواح السابقة "الصالحة" .. ولأن الروح قبس من نور الله.. فإنها عندما تلتقي بروح عالية مثلها تسعد وتفرح فتشعر الأشباح بارتياح.. وتعيش في متعة ولذة لو علمها الملوك لقاتلوهم عليها بالسيوف.. ولكنها متعة لا يشعر بها ولا يدركها الا من ذاقها.. ومن ذاق عرف..ومن لم يذق لا يعرف.. فلا لوم علي الذين لم يقدروا أرواحهم حق قدرها..وحرموها من متاع اللقاء.. خاصة إن الأرواح سبق لها اللقاء يوم الميثاق المبرم بين الخلق وخالقهم، وإذ أخذ رب من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم علي أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي شهدنا أن تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين »الأعراف: 172«..في هذا التوقيت.. والتوقيع والشهادة.. تجاورت الأرواح..وتعارفت وتحابت.. ثم افترقت لموعد نزولها الي الأرض في جسد الانسان فمن هذه الأرواح من عاش في عصر إدريس ومنهم في عصر موسي.. وآخر في عهد عيسي.. وآخر في عصر سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم.. ومنهم من سيأتي بعد ألف عام..وهذا الفرق أو التوقيت لا يعني أن الأرواح لا تعرف من تحابت في يوم الميثاق.. بل يعرفون.. ولكن الجسد شيء.. والروح شيءآخر فأنت تنام بجسدك.. وروحك تسبح في ملكوت الله.. تتقابل مع إناس لا تعرفهم انت بجسدك وتعرفهم هي.. وتتخابر وتتحادث معهم.. وزنت بجسدك لا تعرف من هذا الحديث شيئاً .. فإذا كان ذلك للإنسان العادي..فما بالك بالمؤمن أو المحسن أو المقرب لله.. عندما تسمو روحه.. ويصبح ربانياً بورعه وتقواه.. إلا إن روحه.. تشتاق لزيارة الأرواح الصالحة الطاهرة التي سبقت بالإيمان..؟!.. بالتأكيد نشتاق كما يشتاق الجسد للماء والهواء والغذاء.. فالروح كما تتغذي بالذكروالطاعة لها أيضاً رياضة.. ولها أشواق وأماكن طاهرة تحمل في بطنها أرواحاً طيبة.. تسعد لرؤيتها والقرب منها..لذلك يقوم نفر من المؤمنين بزيارة هذه الأماكن الطاهرة التي تضم الأضرحة ليس طلباً لمنفعة.. ولاحباً في دنيا.. ولا سؤال للولي لحل مشاكله كما يحلو للبعض ان يتقول بذلك..ولكن حباً في لقاء الأنوار.. لقاء الأرواح الطاهرة.. فيدخل الانسان الي هذه الأماكن وهوحامل لهموم الدنيا..وقد سدت الأرض أمامه.. وضاق صدره.. فجلس واستغفر وتلا القرآن وسبح.. وما هي إلا لحظات وقد انفرجت أساريره.. وزالت همومه..ووسعت الدنيا أمامه.. وفتحت كل الأبواب المغلقة..ويعود الي حياته مرة أخري.. فهل شاهد احد السلفيين رجلاً أو امرأة تسجد لصاحب القبر من دون الله.. »استغفر الله العظيم«.. فلماذا هذا التهكم والسخرية.. والنعوت التي يصفون بها أصحاب الأضرحة وزائريها.. وأذكر منذ سنوات أن الشيخ محمد حسين يعقوب »صاحب الغزوة«.. في مستهل أيام شهر رمضان كان يتحدث عن الأمور التي تفسد الصيام وتبطله.. وجاء بها.. من صلي في مسجد به قبر..!!.. معني هذا أن كل من صلي في شهر رمضان بمسجد رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم فسد صومه.. فالمسجد يحمل أيضاً جسدي سيدنا أبوبكر وعمر.. وأسأل نفسي هل هؤلاء يقومون بزيارة قبر سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أم لا..وهل بعد هدم أضرحتنا في مصر وحرقها.. سوف يتوجهون الي السعودية لهدم مقام سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم وأصحابه..أم.. لا..؟! أما إخواننا السلفيون.. فأنا عن نفسي أحبهم في الله.. وأعرف أن لهم فضلاً في الدعوة.. وتصحيح بعض المفاهيم وإحياء سنن كانت غائبة.. وليس معني ذلك أنهم يتركون الدعوة.. وينتهزون الأحداث لحرق أضرحة الأولياء.. وزرع فتنة نائمة. وللحديث بقية