مصر تعيش حالة انقسام حادة، وموجات عنف غير مسبوقة... نلاحظها حين نتابع الإعلام والفضائيات والقنوات الحرة وحين تتابع الصحف المستقلة تدعو وتنادي وتدفع للتغيير بينما نري الإعلام الحكومي والحزبي والصحف ذات الملكية العامة تتجاهل معظمها ما يحدث وتلتزم بمؤازرة الإصلاح الحكومي الجاري كمنهج وتدعو للاستمرار فيما يتم ماعدا بعض الأصوات تعترف بقدر من السلبيات وتدعو لتطوير بعض المجالات... وما أشبه اليوم بالأمس... فهل مطلوب الصمت علي انهيار مصر؟... وهل المطلوب التغيير من أجل التغيير؟ أو أن المطلوب الإيمان بأن ليس بالإمكان أفضل مما كان ؟... كلاهما خطأ في نظري . دعوت - في مقال سابق - إلي تحكيم العقل واختيار " المنهج الثالث" والذي يبدأ من الشعب واحتياجاته وينتهي إلي المواطن والوطن وتقدمه ورفاهيته... هذا المنهج باختصار شديد لا يعتمد علي أشخاص ولكن يتفق علي الأهداف والأولويات ثم بعد ذلك علي الفريق القادر علي تنفيذ هذه الأهداف والأولويات... وكما ذكرت فإنه من غير المنطق أن تختزل أمة في فرد - يأتي ويذهب - فالوطن باق والأفراد ذاهبون... وأتساءل ما هي أهدافنا وما هي أولوياتنا ؟... أهدافنا بدقة شديدة هي تقدم ورخاء الوطن وسعادة وآمان المصريين... والتساؤل هل يمكن أن نتحدث عن تقدم ورخاء الوطن وسعادة المصريين ونحن نعاني يوميا في توفير رغيف العيش وأنبوبة البوتاجاز، ونناضل في المواصلات والنقل، ونجاهد لإيجاد فرصة عمل للخريجين، ونعاني من توفير علاج بتكلفة ملائمة، ونتقزز من الفساد وأخبار المفسدين، ونتألم من عدم التكافؤ، والتباين في العدالة الاجتماعية، ونتابع محاربة رموز التقدم والإصلاحيين في كل موقع، وغيرها... إجابتي نعم هدف تقدم مصر ورخاؤها وامن وآمان وسعادة كل مصري هو هدف كامن في قلب كل المصريين... ولكن يجب علينا الاتفاق علي الانطلاق نحوه وعلي منهج واستراتيجية وخطة العمل المطلوبة للوصول لهذا الهدف... حديث الأولويات هو حديث كل يوم وكل عصر وكل عهد... حديث الأولويات هو حديث مستمر لتنمية المجتمع وباختصار شديد هو ترتيب أولويات المجتمع نحو التعليم، والرعاية الصحية، والنقل، والانتقال، وفرصة العمل، والتنوير، والسلام والأمن الاجتماعي، والعدل والعدالة، التكافؤ والمساواة، القضاء علي الفقر، القضاء علي الأمية، حرية الرأي والتغيير، الديمقراطية، إعداد القادة، الأمن القومي، تأمين الطاقة، المعلومات والشفافية وغيرها... المجتمع الواعي هو الذي يوجه طاقاته للتقدم... المجتمع الواعي هو الذي يركز علي أهداف الوطن وأولويات الشعب... فهل لدينا الوعي ؟... وهل لدينا وحدة للهدف واجتماع علي الأولويات وترتيبها ؟... المجتمع الواعي هو الذي يشارك في صياغة وتنفيذ وإدارة برنامج العمل ومتغيراته... فهل نحن نشارك في وضع التفاصيل والمتغيرات ؟... المجتمع الواعي الذي يبني الفريق بل الفرق القادرة علي التنافس لتحقيق طموحات الوطن... فهل نحن نبني الفرق والأحزاب والمؤسسات القادرة علي التنافس لتحقيق طموحات الوطن أم أننا مازلنا نقدس الفراعنة كمفهوم وكممارسة... فهل لدينا الوعي لقبول الآخر والحوار معه ؟... المجتمع الراشد هو الذي يضع التعليم ولكي نكون من أفضل عشر دول كأولوية، وأن يقضي تماما علي الأمية والفقر المدقع، وأن نخفض معدل الزيادة في السكان إلي ثلثي ما هو عليه الآن... وعي المجتمع هو تفاصيل التحديات والأولويات والقضايا... البعض منها (1) يتطلب الاستمرار فيما نقوم به، (2) والبعض الآخر يتطلب تطوير وتحسين ما نقوم به، (3) والبعض الآخر يتطلب التغيير الكامل... وبين الثلاثة مناهج تتنافس أصوات التقدم ويتصارع أصحاب المصالح... وعي المجتمع هو الوحيد القادر علي تحديد الهدف والبرنامج وفرز الفريق القادر علي التنفيذ... والذي يعلي مصلحة الوطن... دعوات الإصلاح والتغيير التي افهمها هي لوطن وبرنامج وخطة عمل وفريق عمل يسعي لهدف ويحاسب علي النتائج يراعي مصلحة الوطن... ويراعي الله في وطن... يرعاه الله .