لماذا حدث الخلاف بين مبارك والمشير الجمسي عندما تولي نائب الرئيس ولماذا أقال المشير أبو غزالة رغم خبرته وكفاءته في تسليح القوات المسلحة؟ شاءت الظروف أن أكون شاهداً علي الخلاف الذي حدث بين المشير عبدالغني الجمسي وبين الرئيس السابق حسني مبارك بعد تعيينه نائباً للرئيس السادات بعدة أسابيع ووصل إلي حد القطيعة في نهاية الأمر.. فقد تصور مبارك أنه سوف يمسك بكل المسئوليات وبصفته نائب الرئيس خصوصاً فيما يتصل بشئون القوات المسلحة وأن يلغي الجمسي القائد العام ووزير الدفاع وتجاهل أن الرئيس السادات هو القائد الأعلي المسئول عن كل الأمور والقرارات الخاصة بالقوات المسلحة.. ورفض الجمسي أن يخضع لهذا التدخل وكانت بداية الصدام عندما رفض تدخل مبارك في ميزانية القوات المسلحة أو إجراء تعديلات فيها وكان يري أن القائد الأعلي هو الوحيد الذي له سلطة الاطلاع علي الميزانية وبنودها ومخصصاتها وله الحق في إدخال تعديلات عليها. وتصادف أن كنت في مكتب مبارك لكي أجري معه أول حديث بصفته نائب رئيس الجمهورية ولاحظت العصبية في اتصاله التليفوني مع المشير الجمسي وهو يطلب منه الميزانية، وكان رد الجمسي أن الرئيس السادات هو الذي يسمح بذلك.. واتصل مبارك بالسادات وأبلغه بما حدث ولكنه فوجئ بأن الرئيس يؤيد الجمسي في موقفه وطلب منه ألا يتدخل في شئون القوات المسلحة إلا بتكليف منه وبدا الغضب وقتها علي مبارك من الجمسي وحاول الإيقاع بينه وبين السادات عدة مرات ونسب إليه الادعاء بأنه صاحب خطة العبور في حرب أكتوبر.. وكان الجمسي يرفض الحديث عن دوره ويقول دائماً إن السادات هو صاحب قرار الحرب والذي وضع خطتها.. وكان الرجل بطبيعته منضبطاً ومتواضعاً ولكنه كان يعتز بكرامته ولذلك رفض أسلوب نائب الرئيس وطريقته في التعامل. وحينما عين مبارك في منصبه لم يعترض علي قرار الرئيس مع أنه كان الأحق بحكم دوره ومنصبه، بينما كان دور مبارك ينحصر في تنفيذ الضربة الجوية التي كانت جزءاً من الخطة التي يتولي الجمسي تنفيذها مع الرئيس السادات والمشير أحمد اسماعيل وكان يشرف علي أوامر طلعات القوات الجوية في الجبهة وفي ثغرة الدفرسوار.. ولكن مبارك أصر علي تجاهل مسئولية الجمسي علي مدي سنوات حتي تم توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل »كامب ديفيد« وأحيل الجمسي إلي التقاعد لانتهاء دوره وكان مبارك وراء هذا القرار باعتبار أن المرحلة تحتاج إلي التفاهم وصياغة أسلوب متغير في التعامل مع إسرائيل يتسق مع الاتفاقية.. وقد كان الجمسي يعترض علي بنودها العسكرية لأنها لا تراعي أمن مصر ومنها الوجود العسكري المصري المحدود في سيناء! وفي مقابلة خاصة سألت المشير الجمسي ماذا بينك وبين مبارك؟ فقال لي صادقاً: إنه كان يريد أن يلغي كل المسئولين النافذين من حول الرئيس بحيث ينفرد بالرأي، ولم أقبل ذلك لأن عندي مسئولياتي العسكرية ولم أخضع لضغوطه لأن الرئيس السادات هو المسئول عن محاسبتي ولذلك حدث الخلاف معه وحاولت من جانبي عدم التصعيد ولكنني علمت فيما بعد أنه كان يقوم بتشويه صورتي لدي الرئيس.. مع أنني كنت حريصاً علي التعاون معه أثناء الحرب، ولا أعرف سبب التغيير الذي حدث من جانبه بعد تعيينه نائباً للرئيس، ويبدو أن السادات قد اكتشف أسلوبه وقرر استبعاده ولكن وقع حادث الاغتيال! لماذا إقالة أبو غزالة؟ لم يكن هناك خلاف سابق بين المشير أبو غزالة وبين مبارك، ولم تكن العلاقات متوترة بينهما بل علي العكس كانت تربطهما صداقة حميمة منذ صار مبارك نائباً للرئيس وبسبب ذلك تولي أبو غزالة منصب الملحق العسكري في واشنطن واختار منير ثابت شقيق سوزان ليكون مساعد الملحق العسكري.. وصارت لأبو غزالة علاقات قوية مع القيادات العسكرية الأمريكية في البنتاجون لدرجة أنه يلقي محاضرات في المعاهد والجامعات المتخصصة خلال سنوات وجوده في واشنطن.. وكلف منير ثابت بالإشراف علي نقل الأسلحة الأمريكيةالجديدة (الدبابات والمصفحات والطائرات) إلي مصر في برنامج المعونة العسكرية وحسب الاتفاق بين الرئيس السادات والرئيس كارتر عقب اتفاقية السلام وذلك مساواة لمصر مع إسرائيل وتشجيعها علي عملية السلام.. وفي ذات الوقت تغيير تسليح الجيش المصري من الأسلحة السوفيتية إلي الأسلحة الأمريكية وتولي أبو غزالة بحكم مسئوليته في واشنطن الملحق العسكري اختيار المعدات المطلوبة واللازمة لهذه الخطة. وكان أبو غزالة علي اتصال مستمر مع مبارك بصفته نائب الرئيس لاطلاعه علي عملية نقل الأسلحة الأمريكية بالسفن عبر جبل طارق وقد أبدي السادات اهتمامه بجهود أبو غزالة واختاره قائداً عاماً للقوات المسلحة ووزير الدفاع لكي يكمل مهمته في تطوير الجيش المصري بالأسلحة الأمريكية.. ورغم الصداقة التي كانت بين مبارك وأبو غزالة لكن ذلك لم يمنع من الحساسية من جانبه نظراً للكفاءة العالية والثقافة العسكرية التي كان يتميز بها أبو غزالة، خصوصاً بعد عودته إلي القاهرة وتولي منصبه قائداً عاماً واكتسب شعبية في صفوف القوات المسلحة بعد مشروعات الخدمة الوطنية التي تحقق الاكتفاء الذاتي للضباط والجنود وأسرهم.. كما نجح أبو غزالة في التطوير الشامل للتسليح والتدريب بالأسلحة الجديدة»الأمريكية« وأرسل بعثات من العسكريين والطيارين المصريين إلي الجيش الأمريكي للاطلاع والتدريب وقد ساعدته علاقاته مع القادة العسكريين الأمريكيين علي ذلك واكتسب العسكريون المصريون خبرة واسعة في فترة وجيزة علي استخدام المعدات الحديثة وبالذات »دبابات إم2 وطائرات إف61 وغيرها« وكان ذلك مثار إعجاب الرئيس السادات، ولذلك لم يسترح مبارك لوجود أبو غزالة في القيادة العامة وقيامه بهذا الدور وحدثت الحساسية..! وما يحسب لأبو غزالة بعد اغتيال الرئيس السادات في حادث المنصة أنه الذي دعم موقف مبارك لكي يتولي رئاسة الجمهورية وقام بتأمين الانتقال الهادئ للسلطة في حماية القوات المسلحة.. ويبدو أن شخصية أبو غزالة القوية قد أثارت حفيظة مبارك وخشي أن يقوم بانقلاب ضده في أي وقت ولذلك اتسعت فجوة الخلاف بينهما رغم حرص المشير أبو غزالة علي الانضباط من جانبه! لم أطمع في السلطة وفي لقاءات خاصة مع المشير أبو غزالة في بيته في مدينة نصر بعد إبعاده عن منصبه بشكل غير لائق ومفاجئ.. سألته عن سبب الجفوة بينه وبين الرئيس مبارك فقال لي: أنا بطبعي عسكري منضبط ولم تكن لي أية أطماع، ولو كنت أريد الاستيلاء علي الحكم لفعلت بمنتهي السهولة وفي ساعات.. ولكن وساوس ودسائس المحيطين به من حاشية السوء صورت له أنني قد أطمع في الحكم وبينما كنت حريصاً علي الانضباط في علاقتي معه وبينما كانت أمامي فرص عديدة لكي أقوم بعزله والانقلاب عليه. مثلاً حينما وقع حادث المنصة واغتيال الرئيس السادات أسرعت بالسيطرة علي طوابير العرض العسكري من مقر القيادة وحتي اطمأننت علي عودة جميع القوات إلي معسكراتها وأبلغت السفارة الأمريكية بأنني أسيطر علي الموقف ولم يحدث انقلاب، وبحثت عن مبارك حتي عثرت عليه في مستشفي المعادي بجوار جثمان السادات وقلت له : أنت بتعمل إيه عندك، إنزل واستلم المسئولية فأنت نائب الرئيس.. وقمت بترتيب الانتقال الهادئ للسلطة مع الدكتور صوفي أبو طالب رئيس مجلس الشعب وقتها بعد الجنازة وقام مبارك بحلف اليمين وصار رئيساً..! ومثلاً آخر حينما وقعت أحداث التمرد في الأمن المركزي فوجئت بأنه كان منهاراً وطلب مني تجهيز طائرة لكي تنقله وأسرته إلي الخارج، وكانت صدمة لي وقلت له اطلع علي التليفزيون وطمأن الشعب بأن الموقف تحت السيطرة، وقمت بإنزال وحدات من الجيش في مصر الجديدة وسجل الكلمة الموجهة ولكنني لاحظت أن صوته كان مهزوزاً وطلبت منه إعادة تسجيلها وصحبته بعد ذلك إلي القيادة العامة حتي نطمئن علي استقرار الحالة الأمنية في القاهرة والجيزة.. هل كان يمكن أن أتصرف بهذا الانضباط في هذه المواقف الحرجة والمصيرية وبينما أضمر في نفسي الاستيلاء علي الحكم؟ فإن ذلك ليس من أخلاقي وعسكريتي ولكنه للأسف لم يكن يثق في المخلصين من حوله وكان يتخوف من سيطرتي علي القوات المسلحة وبعد تطويرها وإعادة تسليحها.. وكان هناك أمر آخر هو أنه يخشي من علاقتي القوية مع الأمريكان وصداقتي مع أعضاء الكونجرس وقيادات البنتاجون! وفي ذات الوقت أخذت حاشية السوء حول مبارك في الدس للوقيعة بينه وبين المشير أبو غزالة وعلي رأسهم صفوت الشريف وزكريا عزمي الذين كانوا يدبرون لعزل الرئيس عن الشخصيات القوية والمقربة منه حتي يخلو لهم الجو.. وأخذوا يلفقون الأقاويل من جانب أبو غزالة ويصورون تصرفاته في القوات المسلحة علي أنه يريد إحكام قبضته عليها لمصلحته.. وأذكر أنه حينما وقع حريق مبني التليفزيون وكان مبارك في جولة خارجية وقام المشير بالسيطرة علي المبني بقوات الشرطة العسكرية وقامت طائرات الهليكوبتر بإطفاء الحريق في الأدوار العليا، واتصل وقتها صفوت الشريف بالرئيس في طريق عودته إلي القاهرة بالطائرة وأبلغه بما فعله المشير وسيطرة الجيش علي المبني لتأمينه وبدون الرجوع إليه وأعطي انطباعاً خاطئاً لدي مبارك من تصرف أبو غزالة ولإثارة الشكوك من حوله.. وكان لدي الرئيس السابق الاستعداد للإطاحة بأبو غزالة!