حين يقول العلمانيون: "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين"، فهم يقصدون السياسة التي يمارسونها بما فيها من كذب وغش وخداع للشعب وتدليس عليه، وافتراءات وشائعات علي الخصوم. وبالتأكيد .. كل هذا الأفك ليس من الدين في شيء. ولا يمانع بعضهم أن يقول إن الدين بما فيه من طهر ونقاء يجب أن يكون بمنأي عن ألاعيب السياسة القذرة. وهم بذلك ينطلقون من مسلمة أكيدة عندهم وهي أن السياسة مجرد ألاعيب قذرة، وساحة للكذب والغش والخداع والتدليس، والشائعات، يمارسونها تجاه الشعب وضد خصومهم، للوصول إلي غايتهم وهي السلطة. نستطيع أن نقول إننا نعيش هذه الأيام أكبر مواسم الألاعيب السياسية غير الأخلاقية، فلم يحدث ربما في تاريخ مصر أن أطلقت مثل هذه الحملات الإعلامية والدعائية السوداء الموجهة إلي عقل وفكر ووعي المجتمع، التي طالت كل مؤسسات الدولة وأطراف المجتمع؛ من رئاسة الجمهورية، إلي الحكومة، إلي الأحزاب السياسية، إلي جماعة الإخوان، واللجنة العليا للانتخابات، إلي الشعب المصري كله. مثال ذلك.. في حادثة الاعتداء علي المتظاهرين عند قصر الاتحادية، ورغم أن الشهداء الذي ارتقوا إلي السماء هناك "ولا نقول سقطوا" معروفون بالاسم، وانتماؤهم للإخوان معروف، وقد شهد أهلوهم علي ذلك، ورغم أن الجرحي والمصابين أحياء ويشهدون أنهم من الإخوان، نجد من يدعي أن الإخوان هم الذين قتلوا وأصابوا المتظاهرين، ولا يقول ذلك شخص واحد بل يردده كثيرون ك"الرجل يغدو إلي بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق" وعذاب مثل هذا الرجل رواه النبي عليه السلام في حادثة الإسراء والمعراج. وقد رأيت أول أمس المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات يكاد ينفجر من الكمد بسبب الاتهامات غير المنطقية وغير المعقولة التي وجهها إلي اللجنة "حقوقيون كبار" ومنظمات للمجتمع المدني، عن وجود أشخاص من غير القضاة يشرفون علي اللجان وغير ذلك. ووجدنا بعض من يحتلون وظائف مرموقة في القضاء يحاولون إيهام الناس بأن هذه الجهة القضائية أو تلك تقاطع المشاركة في الاستفتاء، بينما واقع الأمر يقول إن هؤلاء لا يمثلون إلا أنفسهم أو أكثر قليلا. أما الشعب المصري فقد وُجهت إليه أكبر إهانة تمس كرامته، وهي أنه علي استعداد لأن يبيع ذمته ودينه وخلقه، ويساهم في التزوير من أجل زجاجة زيت أو كيس سكر! ولا أدري كيف يعود من يدعون ذلك ليخاطبوا الشعب واصفين إياه بالشعب العظيم والشعب الكريم؟ ومن المؤكد أن تلك الحملات الموجهة إلي دماغ المواطن المصري قد أصابته بضرر بالغ، كما يتعرض الإنسان لجرعة زائدة ومضرة من الإشعاعات. لا أود الحديث عن أشخاص بأعينهم حتي لا تنسحب الأوصاف السابقة كلها عليهم، وحتي لا ندخل في مجال التجريح الذي نشتكي منه، لكني استشهد بحالتين من الواقع: قبل ثورة 25 يناير، بدأ الدكتور محمد البرادعي حملة لجمع مليون توقيع للدعوة للإصلاح السياسي، ولم يكن بمقدور د. البرادعي وحده القيام بهذا العمل، لذا فقد لجأ للإخوان المسلمين الذين جمعوا وحدهم أكثر من 800 ألف توقيع، كما سانده الإخوان في جولاته في المحافظات، أما بعد الثورة فقد جعل البرادعي كل همه أن يحول بين الإخوان وبين الوصول للسلطة، بدءًا بالمطالبة بتمديد بقاء المجلس العسكري وتأخير الانتخابات الرئاسية، ومؤخرًا بمطالبة الجيش، بل والغرب، بالتدخل لإسقاط الرئيس المنتخب. أما حمدين صباحي فقد قَبِل ممتنًا قبل الثورة أن يترك له الإخوان الدائرة الانتخابية في البرلس، في انتخابات مجلس الشعب في دورتي عامي 2000 و2005، رغم وجود الإخوان القوي هناك، كما انضم حزبه؛ حزب الكرامة، راضيًا بعد الثورة للتحالف الديمقراطي الذي قاده الإخوان، ووصل نواب الحزب بسبب هذا التحالف إلي مجلس الشعب، وفي أحاديث متلفزة كثيرة دافع صباحي عن الإخوان، ومنها علي سبيل المثال هذا المقطع الموجود علي اليوتيوب، وفيه يقر صباحي بأن الإخوان فصيل وطني كبير. فهل طرأ علي أفكار الإخوان تغيير يستدعي التحول من القبول بالتحالف والتعاون والتنسيق معهم إلي معاداتهم وإعلان الحرب عليهم؟ لم يحدث أي تغيير من جانب الإخوان، ولكن الذي تغير هو الظرف السياسي الذي جعل السياسيين يتنقلون من معسكر لآخر وفق ما يظنون أن فيه مصلحة لهم.