زهرة الياسمين.. دائما ما تحمل عبيرا هادئا أخاذاً.. تسكن في حنايا النفس.. فتكسبها ألفا وروعة وصفاء هادئ النسمات.. علي اسم تلك الزهرة الجميلة ومنها جاء اسمها »ياسمين« طفلة بريئة.. عينان لامعتان.. قلب نابض.. ولدت لتقول لنا بريشتها وألوانها الزاهية كلمة.. بل كلمات.. عاشت طفولتها بين أشواك المرض النادر الذي حير الأطباء في مصر والعالم.. إلا أن تلك الأشواك.. لم تقف حائلا أمام هذا الفيض من العبير والصفاء النفسي والانطلاق والبراءة. ياسمين السمرة- عشقت الألوان- فكانت الموهبة.. وكانت الهواية.. التي تحولت بمرور السنوات إلي إبداع فني جميل.. لتحفر اسمها بين رسامي وفناني الكاركاتير في مصر اقتربت من قلبها وعقلها الأم احتضنت موهبتها.. شجعتها أعطتها من علمها.. ومشاعرها.. وأمومتها الكثير.. وأخفت في نفس الوقت دموعها وأحزانها.. فقد كانت الأم تعلم أن كل يوم تعيشه ابنتها يخصم من عمرها يوماً.. الأطباء قالوا كلمتهم.. المرض يشتد.. يئن الجسد النحيل.. ولكن الابتسامة البريئة تظل رابضة في الوجه الذي تخصصت ياسمين في رسمه.. منذ أسابيع قليلة ذهبت إلي ساقية الصاوي لحضور تأبين »ياسمين« التي رحلت وعمرها لم يتجاوز الخامسة عشرة ورغم تلك السنوات القليلة إلا أنها تركت خلفها مئات اللوحات الفنية الرائعة ومعارض ثلاثة شهدت بموهبة وعذوبة وروعة فن ياسمين.. التي جاءت إلي الدنيا في رحلة قصيرة لتقول لأمها وفاء السادات وأبيها طبيب العيون الإنسان »عمرو السمرة« وأخويها ومحبيها وداعاً. وقبل الوداع.. بصوت هامس.. ضعيف.. تنادي ياسمين علي أمها- تستقبلها الأم بابتسامة حانية ولهفة.. وتشعر أن الوجه النحيل وزهرة الياسمين التي ملأت البيت عطرا.. أرادت الرحيل.. طلبت ياسمين الأوراق والأقلام.. ترسم دون أن تري.. الألوان تتداخل.. الانفاس تتهدج.. المرض اللعين والذي سماه الأطباء بمرض الفقاعة الجلدي النادر الوراثي والذي ظهر عليها منذ الشهور الأولي لميلادها.. تغطي ياسمين جلدها بلفائف »الشاش« وتداري تقرحات جلدها.. وتنظر لأمها بابتسامة وبراءة وتقول لأمها.. لا تبكي يا أمي.. وتطلب منها في وصية قليلة الكلمات ان تقف إلي جوار الأطفال الذين يعانون مثلها وهنا تقرر الأم فور رحيل زهرتها الجميلة ياسمين عمل جمعية لتوعية الأمهات بهذا المرض.. والوقوف إلي جانبهم.. والتخفيف عنهم.. ومسح دموع أطفالهم. ياسمين الموهوبة - المحبوبة- المتفوقة في مدرستها الألمانية لن تذهب إلي المدرسة مرة أخري.. فقد ذهبت بعيدا.. فاضت روحها إلي بارئها.. وتركت خلفها ألوانا.. وكلمات وحبا برئا.. وعبيرا صادقا رقيقا.. انه عبير زهرة الياسمين. السيد حجازي هادئ النفس والطبع.. منذ أكثر من عشرين عاما.. كان لقائي به داخل صالة تحرير الأخبار.. تجلس إليه طويلا.. يحتفي بك.. وكأنه يعرفك منذ سنوات.. فنجان القهوة.. يسبق جلستنا.. يروي لك ذكرياته في بلاط صاحبة الجلالة.. كلماته تحمل رؤية ثاقبة في الحياة والبشر.. والصنعة.. صنعة الصحافة.. ريف المنصورة.. وطين أرضها.. وملامح وجهه الهادئ.. تأخذك دون أن تدري إلي عالمه.. ما أن تقترب منه تشعر بالألفة والود.. علمني الكثير.. شجعني.. قال كلمات صادقة يحفظها قلبي.. عن اللسان والقلب. رحل الأستاذ السيد حجازي.. منذ أيام - تاركا كرسيه الأثير- في صدر صالة التحرير- وأيضا دموعا كثيرة في قلوب محبيه وتلاميذه عاد الجسد الواهن.. الذي طارده المرض سنوات.. عاد إلي الأرض الطيبة.. رحل ليبقي ذكري دافئة - حانية- رقيقة عاشت بيننا ومعنا وقالت لكل من اقترب منها وداعا.. بهدوء وصفاء روحه الجميلة..