بين ابتسام وكلام قدم لها طوق ياسمين تزين به عنقها الصغير، لم تعرف ما معنى طوق يقدمه لها رجل بالكاد تعرف، ضحكت واحمرت وجنتاها، قبلت الهدية، كاد قلبها يطير فرحا، هذه المرة الأولى التى تحصل فيها على هدية من رجل، لم يكن أى رجل، كان جارا وصديقا و.... هى ليست متأكدة بعد. سارا معا فى شارع قديم من شوارع المدينة، كانا فى حالة صمت رهيب، لم يكن هناك الكثير ليتحدثا عنه، كان يعرف ما تحب وتعرف ما يحب، الصمت صديق، والزهر رفيق، النور منقذ، الشمس حرية وأمل، النجوم هدى بليل شديد العتمة، القمر جمال وغرابة وروعة ومنارة، ظلا صامتين، أصوات من هنا وهناك، عصفور يغرد على هذه الشرفة، وياسمينة تمتد من تلك لتعانق العصفور وتصنع له عالما كان يعرفه. امرأة تودع ابنها الذى قرر السفر، تنهال عليه بقبلات مبللة بالدموع، توصيه بنفسه وعلى نفسه، وتقول لا تنسى الهاتف يا بنى، فلتكلمنى كل يوم و ليلة، يجيب نعم، روحه تقف بين لسانه وحلقه وتحتار فى حزن يكاد لا ينتهى، العبرات تقف على الشرفات والعيون تتهرب من كل ما هو عزيز وغال. وقفا هناك يراقبان، دموع وقبلات ووداع، لم ينبسا ببنت شفة، نظر فى عينيها المغرورقين بالدموع، لم يستطع الكلام، فكلمة واحدة منه كفيلة بجريان دموعها حتى الصباح، ظل صامتا، يعرف متى يتكلم ويعرف متى يكون الصمت سيد الموقف، حركت يداها، أمسكت جدا بطوق الياسمين، كادت تعصر الطوق، نظرت معاتبة إياه، لماذا لى أنا؟ ولم طوق ياسمين؟ انسحب هاربا بنظراته، قال: ولم لا؟ ما العيب فى الياسمين؟ مشت إلى الأمام، لم تنتظر أن يلحق بها، فتحت باب ذكرياتها، تذكرت امرأة مرت فى حياتها، تعرفت على رجل يعشق الياسمين، تزوجا وأنجبا طفلة، رحل يوما ما، تاركا لها أطواقا من الياسمين ورسالة تقول بأن الواجب يستدعيه للذهاب. ترك رسالة تنتهى بنقطة على السطر، أرادت تفسيرا، كلمات بعد النقطة اليتيمة، أرادت أن تشتم رائحة الحقيقة، لم تعد تهتم برائحة الياسمين، صار الياسمين ذكرى حزينة. بكت طوال ليل وليل وليل، نظرت صورة أمها التى تزين سريرها، حملت طوق الياسمين وطوقتها، دعت لها بأن ترقد روحها فى سلام دائم.