زمان كان صاحب الطربوش قيمة وسيمة وعلي الأقل أفندي له اعتباره يلاقي احترام الناس في أي مكان . مجرد ارتداء تلميذ الابتدائي للطربوش يعني التزاما منه بكل تصرف يأتيه في الشارع قبل ان يتصرف في مدرسته. وارتبط زمن ارتداء الطرابيش بلهجة الشارع ذاته، كنت تسمع فيها -وهذا ما نلحظه عند عرض الأفلام القديمة - كلمات مثل من فضلك يا أستاذ، ممنون يا حضرة، كتر خيرك، يسعد مساك وغيرها من الكلمات الجميلة التي تعبر عن أواصر الود والتراحم بين الناس. انتهي عصر ارتداء الطربوش لسبب أو لآخر، ربما مع انتهاء عصر ارتداء القبعة في أوروبا، ربما مع بدايات ثورة يوليو ودعواتها للتحرر، حتي تحررنا من كل شيء يرمز للتبعية وبالطبع كان الطربوش رمزا لاتباع الخلافة العثمانية. مع انتهاء عصر ارتداء الطربوش مرت فترة حافظنا فيها علي لغة الشارع التي ظلت تتسم بالود والتراحم حتي صحونا علي نكسة 7691 وما صاحبها من نكسات من نوعيات السح الدح امبو وغيرها من الأغاني التي أطلق عليها ثقافة الكاسيت ورويدا رويدا صارت في عصرنا هذا ثقافة للميكروباص. في ظل امبراطورية الميكروباص والزيادة السكانية الرهيبة علي ذات الرقعة التي يعيش فيها المصريون منذ آلاف السنين، وفشل خطط استغلال هذه الزيادة واعتبارها نقمة لا نعمة توارت لغة الزمن الجميل وحلت محلها الفاظ أخري مثل يا حلاوة، ايوه يا هندزة ومع الجيل الجديد ظهرت كلمات روش وطحن وانت حتحلقلي وغيرها وغيرها الكثير. لا أدري ما سر الارتباط بين انتهاء عصر الطربوش واللغة الجميلة التي صاحبت زمانه وما نحن فيه الآن ومنذ نحو خمسين عاما.. ورغم ان الطربوش يوضع علي الرأس أي انه أعلي قامة صاحبه، إلا انه الويل لك ان وصفت احدا به وناديته يا طربوش بعد تصرف منه اثبت فيه انه ليس له أي لزمة مثله مثل الطربوش في الزمن الحالي، ولكن لك ان تطيب خاطره قائلا أنا لا أقصد وصفك بطربوش هذا الزمان ولكن أقصد طربوش الزمن الماضي.. فانت مثلك مثله علي الرأس. أما الطرطور فكان أشهر من يرتديه هم لاعبو السيرك من البلياتشو. كما كان يرتديه علية القوم في منازلهم عوضا عن الطربوش الذي كان للخروج فقط، وارتداه أيضا الغلابة من الحواة وبائعي الدندورمة بأهازيجهم التي كان يستقطبون بها الصغار للشراء أو الفرجة علي الأراجوز. أما القرطاس فرغم انه هو الأقدم في تعريفه وأكثرهم قيمة عندما كان يحمل درر الأولين الا انه تحول وحتي سنوات قريبة إلي وسيلة التعبئة عند البقال والعلاف فقد انتهي دوره هو الاخر مع ظهور الاكياس الورقية واتبعتها الاكياس البلاستيك وأصبح الثلاثة الطربوش والطرطور والقرطاس بلا أي لزمة.. ورغم انهم صاروا بلا لزمة الا ان اللزمة الوحيدة لهم هي استخدامهم كمرادفات في وصف بعض الذين يأتون بتصرفات لا لزمة لها.. أو تحاك ضدهم وحولهم التصرفات وهم لا يدرون. انظر حولك جيدا في محيط سكنك وعملك أو من خلال مطالعتك لما يدور علي الساحتين الاقتصادية والسياسية فستجد كثيرين يأتون بتصرفات لا لزوم لها ولا ضرورة أو معني ولن تجد بعد ان تستثني الاسوياء أهل الرأي والحصافة - وهم قليل - لن تجد إلا طربوشا أو طرطورا وبينهما قرطاس.