المتابع لأحداث العراق وأزمته السياسية التي تجسدت في عدم التوصل إلي تشكيل حكومة رغم مرور ما يزيد علي ستة شهور علي انتهاء الانتخابات البرلمانية واعلان نتائجها.. لابد وان ينتبه إلي الدور الذي يقوم به ساسة اقليم كردستان المتطلع والطموح إلي إقامة دولته المستقلة علي حساب السيادة العراقية العربية علي كل أراضي الوطن العراقي.. وليس خافيا أن الولاياتالمتحدة دولة الغزو والاحتلال للعراق قد شجعت علي هذا التوجه منذ وطئت أقدامها الأرض العراقية.. وكما هو معروف فقد خاض هذا الاقليم بقيادة زعاماته التقليدية حربا ضروسا في العراق خاصة مع نظام حكم صدام حسين من أجل تحقيق هذا الحلم.. وليس خافيا الدور الذي لعبته واشنطن في إطار سياستها القائمة علي تمزيق هذا البلد العربي بمساندة هذه المطالبات الكردية من خلال نصوص الدستور الذي تم وضعه وتم تضمينه العديد من البنود التي تعطي لكردستان حقوقا علي حساب وحدة ومصالح دولة العراق الموحدة. انطلاقا من هذا الواقع كان طبيعيا أن يستغل هذا الموقف ساسة كردستان ويمثلهم مسعود برازاني الذي أصبح رئيسا للاقليم بعد الغزو الأمريكي وإلي جانبه غريمه جلال طالباني الذي تم تعيينه رئيسا للدولة العراقية وفقا للمخطط الأمريكي علي طريقة النظام الطائفي السائد في لبنان.. كان عليهم متابعة تطورات أزمة تشكيل الحكومة والصراعات الدائرة بين التيارات السياسية والطائفية.. حرصوا علي ألا يوضحوا موقفهم السياسي في نفس الوقت الذي فتحوا فيه باب التفاوض مع كل الكتل السياسية دون تحديد إلي من سينضمون استجابة لمتطلبات استكمال النصاب القانوني لتحديد الفائز بالتشكيل. كان هدفهم الانتظار للحظة الأخيرة من أجل المساومة علي تحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية والجغرافية وأهمها وضع أيديهم علي عدد من المدن العراقية الغنية بالبترول مثل كركوك والموصل استنادا إلي المخطط الذي تبنوه منذ سنوات طويلة عندما دفعوا أعدادا كبيرة من الأكراد للاقامة بهذه المدن لإحداث الخلل السكاني لصالحهم لاستخدامه في الوقت المناسب ضد العرب والتركمان. نجحت خطتهم اعتمادا علي تعاونهم ووحدتهم بينما كانت الخلافات والصراعات تمزق العرب العراقيين الذين انقسموا إلي شيعة وسنة واندفعت الغالبية الشيعية منهم إلي كمين الاستقطاب الإيراني الذي أتيحت له الفرصة لدعم وجوده سياسيا واقتصاديا في العراق وتجنيد العملاء علي مرأي من الاحتلال الأمريكي الذي واجه الموقف إما بغباء وجهل واما برغبة غريبة في التجاوب مع هذا المد الايراني. حدث هذا رغم كل المزاعم حول العداء لنظام الملالي الحاكم فإنه يبدو أن واشنطن قد اعترفت بعجزها في التصدي لنفوذ طهران الذي يستهدف تصفية الحسابات مع العراق وتحقيق طموحاته واطماعه في المنطقة العربية وهو ما جعلها تتوافق معها علي اختيار نور المالكي مرشحا لرئاسة الوزارة. ولتخطي عقبة الغالبية التي تتمتع بها الكتلة العراقية برئاسة إياد علاوي المرفوض إيرانيا ظهرت الحاجة إلي تأييد نواب كردستان لاستكمال النصاب القانوني النيابي. هنا كانت المساومة البعيدة كل البعد عن مصالح العراق ووحدته حيث أعلنت الكتلة الكردستانية القائمة سياستها علي الانتهازية عن تأييدها للمالكي بعد أن أكد موافقته علي كل مطالبهم. تمت هذه الصفقة بدعم ومساندة واشنطن وتبلورت خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي للعراق. وقد جري وضع اللمسات الأخيرة للموافقة علي دعم ترشيح المالكي من خلال الاتصال التليفوني الذي أجراه بايدن مع مسعود برازاني. وفي محاولة للتغطية علي هذا التوجه السياسي الذي اتفقت فيه المصالح الإيرانية والأمريكية علي ترشيح المالكي فقد دعت واشنطن إلي مشاركة كل الكتل السياسية العراقية في حكومة شراكة وطنية. وبالطبع ووفقا لما أعلنه مسعود برازاني رئيس اقليم كردستان ورغم تصريحاته الحاسمة حول السعي إلي المصلحة العراقية فإنه لا يخفي أن هدفه هو إنجاح عمليات المساومة التي تحقق آمال شعب كردستان الذي وصف قضيته بأنها قضية شعب وليست قضية كتلة سياسية وإن السؤال الآن هو: هل تسمح تركيا التي تقاوم النزعة الانفصالية لاكرادها بهذا المشروع الكردستاني وتأثيراته علي أوضاعها السياسية. جلال دويدار [email protected]