من الأعمال المحفورة حتي الآن في تاريخ ووجدان الدراما التليفزيونية تلك التي أخذت عن روايات أدبية، فمن منا يستطيع نسيان »الثلاثية« و»حديث الصباح والمساء« لنجيب محفوظ، »الأيام« لطه حسين و»بنت من شبرا« لفتحي غانم و»لا أحد ينام في الاسكندرية« لإبراهيم عبدالمجيد و»دموع صاحبة الجلالة« لموسي صبري و»عمارة يعقوبيان« لعلاء الأسواني.. وغيرها. وعودة إلي استعانة الدراما بالرواية ظهر رمضان الماضي بعض الأعمال عن روايات أدبية، والسوال: هل تظل الرواية دائماً رافداً للدراما المتميزة أم تهرب بها من الواقع إلي قضايا الماضي؟ وهل نجاح العمل الروائي هو ما دفع البعض للاستعانة به؟ أم إفلاس الأفكار هو الدافع الأول؟ في البداية يري المؤلف بشير الديك أن وجود أعمال درامية وبالأخص مسلسلات تليفزيونية مأخوذة عن روايات شيء بديهي فالدراما التليفزيونية تستلزم وجود عمل روائي في البداية علي عكس الأفلام التي يمكن كتابة أحداثها مباشرة، أما التليفزيون فيستلزم وجود مرجع مثل الرواية كما أنه يساعد أيضاً من الناحية التسويقية كشيء ملموس يمكن عرضه علي الجهة المنتجة قبل كتابة المسلسل. وأضاف: يجب أن يكون العمل متفقا تماماً مع مضمون الرواية الفكري والرسالة التي تقدمها ولو فعلت عكس ذلك فهذا يعني خيانة للنص الأصلي ولكن هذا لا يعني تقيد السينارست، فالسيناريو ليس ترجمة للرواية. وأضاف: ليس كل الروايات تصلح أن تكون عملاً درامياً فيجب أن تكون هناك فكرة وشخصيات وأحداث واضحة تتشابك معاً لينتج عنها شيء واقعي يراه المتلقي. ويقول المؤلف عبدالحميد أبو زيد: أعتقد أن السبب الرئيسي في اللجوء للرواية هو عدم رغبة المؤلفين في البحث عن موضوعات جديدة وفتح ملفات شائكة فهم يريدون استغلال نجاح الرواية وبذلك يكون قد ضمن في حوزته من قرأ الرواية وأعجب بها، في حين أننا نعيش في زمن مليء بالقضايا والهموم والموضوعات الشيقة التي يمكن أن تستخدم، ولذلك أري أن تقديم الرواية في هذا الوقت لا يكون مفيداً للدراما إلا إذا توافرت فيه عدة شروط منها جودة الرواية وتناولها درامياً بشكل يتناسب مع زمننا هذا، غير ذلك يكون غير مفيد لأن لكل عهد قضاياه ولكل عهد موضوعاته التي يجب أن تناقشها الدراما لتعكس الواقع. المؤلف مجدي صابر يقول: إن الفترة الذهبية للسينما والتي كانت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كانت السينما تعتمد علي الرواية في أعمالها، أيضاً حدث هذا مع أهم الأعمال الروائية والتي كانت في الأساس رواية مكتوبة، وهذا يؤكد أن الرواية المكتوبة تثري العمل الدرامي وتعطيه ثقلاً وتفتح له آفاقاً جديدة ولذلك يجب العودة إلي الاستعانة بها في الأعمال الدرامية لترفع من مستوي الذوق الدرامي العام، بشرط ألا يعتمد السينارست علي النجاح الذي حققته الرواية فقط، بل يضيف ما يتناسب مع طبيعة العمل الدرامي، ورغم محاولات الدراما الأعوام القليلة الماضية خاصة العام الماضي الاستعانة بأعمال روائية، إلا أنها لم ترق إلي المستوي المطلوب. المؤلفة سماح الحريري قالت: إن نجاح الرواية شيء حاسم في اختيارها عن غيرها للعمل الدرامي، ونجاحها هو جزء من اختيارها، وأعتقد أن اللجوء للرواية من وقت لآخر هو أمر مفيد للعمل التليفزيوني، وللمؤلف نفسه فدائما ما تكون الرواية أعمق وأدق وتذهب إلي أماكن نفسية عميقة لا يدركها الجميع لذلك يكون لها مذاق خاص عند تقديمها، ولا أعتقد أن اللجوء للرواية في الأعمال الدرامية سببه إفلاس الأفكار عند المؤلفين، ولكن رغبة في التنوع فالمؤلف دائماً ما يكرر نفسه ويدور حول فلكه سواء في عمل أو في خط درامي أو في فكرة وتأتي الرواية لتخرجه عن هذا الفلك وتبعث فيه روحا جديدة. المخرج محمد النقلي، يقول إن أعظم الأعمال الدرامية هي ما أخذت عن روايات، بل أعيد عمل أكثر من رواية بطرق مختلفة، فوجود الرواية شيء مهم جداً للدراما، ولكن المشكلة التي تواجهنا الآن، هي العدد القليل للروائيين والروايات في مصر، فقديماً كان إحسان عبدالقدوس ويوسف إدريس ونجيب محفوظ وغيرهم كثيرون أما اليوم فنحن نواجه كارثة، هي قلة عدد الكتاب، بالإضافة إلي أنهم ليسوا علي مستوي القدامي من الكتاب. ويقول المؤلف محمد ناير: أري أن تحويل الروايات إلي أعمال درامية شيء جيد ويثري الدراما بشكل كبير فيكون هناك مزيج ودمج بين أكثر من فكرة فقد خضت تلك التجربة العام الماضي خلال مسلسل »فيرتيجو« المأخوذ عن رواية للكاتب أحمد مراد تحت نفس الاسم وكان يوجد بيننا نوع من التعاون والتبادل الفكري وكان لدي مساحة كبيرة من الحرية حيث قمت بإضافة شخصيات جديدة. وأضاف أنه لا يفضل كتابة أعمال درامية دون معرفة أصحاب الروايات فهذا يصعب علي السينارست معرفة كل شخصية وأبعادها جيداً ولكن توجد روايات تجذبك دون أن تكون علي اتصال مع كاتبها مثل روايات الراحل نجيب محفوظ.. بما لديه من تفصيل كل شخصية علي حدة مما يسهل من مهام السينارست.