اتصالا بالمقال السابق حول الحوار العربي الصيني علي مستوي المفكرين نقول انه لاشك ان الحوار مع الدول الاخري يفيد في فتح البصيرة والعقل علي فكر الآخرين ويقدم لنا دروسا قيمة أولها انه يجعلنا ندرك ان التفكير بمنطق صراع القوي وتوازن القوي متخلف زمنيا بالنسبة للمفاهيم المعاصرة في السياسة الدولية، التي تقوم علي تشابك المصالح وتداخلها، وعلي التعاون بين الامم والدول والشعوب. اما الدرس الثاني الذي نستفيده فهو انه علينا ان ندرك انه لن يحل مشاكلنا وجود قوة عظمي توازن القوة الامريكية ولن يجدي ان نطالب الآخرين بدور دولي ليدافعوا عنا وهنا نجد الاختلاف بين العقليتين الصينية والعربية. وجهة النظر العربية ان الصين اصبحت دولة كبري ولم تعد دولة نامية وهي صاحبة ثاني اكبر اقتصاد عالمي وصاحبة اكبر احتياطي نقدي، والقوة الثالثة في التجارة الدولية وان علي الصين ان تعيد التوازن في العلاقات الدولية وتشارك في حل مشاكل العالم بقوة وبطريقة اكثر فاعلية ولا تترك الساحة فقط للهيمنة الامريكية. أما وجهة النظر الصينية فهي ان الصين دولة نامية، وان العرب يجب ألا ينخدعوا بكون الاقتصاد الصيني هو الثاني في العالم من حيث الناتج المحلي الاجمالي لأن متوسط دخل المواطن الصيني يجعل الصين في مرتبة اكثر من المائة علي المستوي الدولي، وان الصين تركز علي عملية التنمية في بلادها وان الصين لاترغب ولاتسعي لتصدير فكرها للخارج ولاتتدخل في شئون الدول الاخري ولاتسعي لنشر مباديء تطورها الداخلي ونظامها السياسي أو الاقتصادي ولاتسعي لدور دولي. باختصار نحن العرب نرغب في ان تتحرك الصين وتقوم بدور للدفاع عنا، والصين تقول دافعوا عن انفسكم وابنوا بلادكم. الصين ترفض الانسياق وراء مفاهيم القوة الهلامية وتصر علي اكتساب القوة الحقيقية والاستفادة منها لمصلحة شعبها وعدم تبديدها في مشروعات توسعية وحروب. الدرس الثالث هو ادراك ان عالم القرن الحادي والعشرين يفكر بالمصالح والمستقبل. ونحن ما نزال في سياساتنا وفكرنا الاقتصادي والاجتماعي والثقافي نفكر بمنطق الماضي، وعلي أحسن الفروض، بمنطق الحاضر المعاش، ولانفكر بمنطق ومنهج التخطيط الاستراتيجي و لانستخدم علوم المستقبل وفكرة وآلياته، اننا نبدد العقول، ولهذا ظهر ما عرف باسم العقول أو الطيور المهاجرة، فكأننا ندعم بمواردنا البشرية قدرات الآخرين من الدول المتقدمة، ونظل نحن في حالة تخلف وتراجع، ومن يتابع مناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الخامسة والستين الحالية، تقارير الانجازات التي تحققت في الاجندة والاهداف الإنمائية للألفية يشعر بقدر كبير من الاحباط، فالصين تتقدم بسرعة مهولة وترفع الملايين من تحت خط الفقر ومعدل النمو كبير وواضح وملموس لدي كل مواطن صيني ولدي كل اجنبي يزور الصين ومع هذا تقول انها دولة نامية لديها مشاكل ضخمة وكذلك الهند، وهناك مجموعة صغيرة من الدول النامية تسمي مجموعة بريك اي البرازيل وروسيا والصين والهند، هذه المجموعة تمثل القوي الصاعدة بعد القوي الكبري المتقدمة، ليس من بينها دولة عربية أو إسلامية أو أفريقية. ومجموعة عدم الانحياز ومجموعة السبعة والسبعين التي عشنا في فكرها قد تجاوزها الزمن، ومجموعة العشرين هي القوة الرئيسية في عالم المال والاقتصاد. الدرس الرابع ان العالم لاينظر للتاريخ القديم والحضارة والثقافة التي كانت، انما للحاضر وتوقعات المستقبل. وما يحدث من تطور اقتصادي تستولي عليه نخبة من الرأسمالية المفترسة وتضعف الطبقة الوسطي بدلا من ان تقويها وتدفع بالطبقة الدنيا للحضيض لتعيش تحت خط الفقر بأقل من دولارين في اليوم بينما الدول المتقدمة تعمل علي توسيع وتعزيز وضع الطبقة الوسطي وتفرض ضرائب علي الاغنياء، اما الدول النامية فتفرض ضرائب علي الموظفين وذوي الدخل المحدود وتترك الرأسماليين يكدسون الاموال بدعوي الحاجة للادخار اللازم للاستثمار، ولايعرفون ان بيل جيتس وباڤيت وغيرهما من اكبر اصحاب المليارات تخلوا عن اموالهم لصالح مشروعات خيرية لرفع اوضاع الاخرين، وهذا ما فعله كثير من الرأسماليين في الدول التي اصبحت متقدمة الآن . كاتب المقال : خبير في الشئون الصينية والأسيوية