عمرو الديب رأيته قلقا يخفي توتره في ثنايا خطوات ذهاب ومجيء ودوران في حجرة الانتظار، كأنه مقبل علي خوض غمار اختبار حاسم، بدا لي شبيها بالتلميذ الذي يستذكر دروسه في دأب قبل الامتحان يراجع معلوماته، ويستدعي مخزونه، ويرتب أفكاره. تملكتني الدهشة وهالني أن أراه في ثوب التلميذ رغم علمي انه أستاذ نال درجة »الأستاذية« فعلا، انها أرفع المراتب العلمية، والدرجات الأكاديمية، وبالطبع من يبلغ تلك الدرجة في الحياة العلمية تعني رحلته الدراسية انه وضع بنفسه اختبارات لا تعد لطلابه، وصحح ما لا يحصي من أوراق الاجابات لتلاميذه، ولكن من يحمل داخله قيمة حقيقية بعيدا عن الطبل الأجوف والصفيح اللامع يظل دائما مستشعرا انه طالب مقبل علي اختبار، أتحدث عن الناقد المتميز الدكتور حسين حمودة أستاذ الأدب العربي، الذي شاءت أقداري المنانة أن أراه في الصباح الباكر منذ أيام، وهو يستعد للحديث في برنامج »صباحك عندنا« علي قناة »المحور« الفضائية، مع المذيعة هادئة النبرة، والصوت »رباب الشريف« حيث كان يتأهب ليتكلم عن أستاذه وأستاذنا جميعا عميد الرواية العربية نجيب محفوظ بمناسبة ذكري رحيله السادسة التي أطلقت جريدتنا الحبيبة »الأخبار« رنين حلولها قبل يومين من قدومها، فتنبه البعض، وغفل البعض الآخر، بينما تغافل آخرون »!!«، المهم ان ذلك الأستاذ التلميذ، أقصد الناقد المتميز الدكتور حسين حمودة حين ذكر اسم معلمه نجيب محفوظ نسي قلقه وتوتره وراح يتحدث بثقة وعشق عن عالم محفوظ الساحر، ومن الذاكرة استدعي نص إحدي مقطوعات »أصداء السيرة الذاتية« الباهرة التي استخلص فيها أديبنا العالمي الفذ معني الثورة ببراعة مذهلة، وقد أعجبني اتفاق الأمر بيننا، حيث اخترت أنا هذه المقطوعة نفسها، وأعدت نشرها في الصفحتين التذكاريتين اللتين أهدتهما جريدتنا الحبيبة »الأخبار« إلي قرائها بهذه المناسبة، ان نموذج الناقد التلميذ.. أقصد الأستاذ الدكتور حسين حمودة الذي قدم إلي المكتبة العربية كتابين عن نجيب محفوظ يؤكد علي حقيقة ان الممتلئين علما حقا هم وحدهم الذين يدركون مدي حاجتهم إلي المزيد من العلم.