نعم الباز هذا الشعب العريق هؤلاء البشر الذين يتكدسون في شريط أخضر حول النيل أنا وأنت وهم هنا وهناك نحن اصحاب كيمياء شديدة الخصوصية كيمياء لا تهدأ لحظة كيمياء فاعلة مبدعة.. ليس غرورا ولكن تقرير واقع.. المصريون الذين يحملون جينات الابداع عبر تاريخهم.. جينات لا تفرق بين أمي ومتعلم وبين من يفك الخط وحامل الدكتوراه هؤلاء الذين أصبحت مصر بهم هبة المصريين وليست هبة النيل وكتبتها مئات المرات فلا تملوها لأنني لن أملها ذلك الفلاح العبقري الذي يمسك بقطعة الطين الجافة من أرضه ويتذوقها ويشمها ثم يعرف ماذا يزرعها ومتي يرتفع انتاجها.. بلا نظريات ولا تعليم واذا تعلم وجرب فهو ذلك العبقري المكتشف دوما في أي مكان وتحت أي شمس.. مصر احتياطيا بشر وليس ذهبا ولا بترولا.. فلاح مصري راهن عليه الدكتور فتحي سعد محافظ الجيزة السابق لرفع انتاجية فدان القمح ونجح الفلاح ورفع انتاجية فدان القمح من 12 إردباً إلي 17 إردباً وكافأه المحافظ وكتب يومها التجربة وطلبت من كل المحافظات تشجيع الفلاحين لزيادة انتاج القمح ولكن.. وهذه أهم لكن لم يعر أحد التجربة اهتماما فنحن نملك العبقرية ولكن لا نلح في استعمالها وفي الستينيات نجح فلاح في المنصورة في رفع انتاجية فدان القمح من 13 إردباً إلي 22 إردباً دعم محافظها الراحل سعد الشربيني التجربة وجعل الفلاح يعطي درسا لفلاحي الدقهلية ونجحت التجربة وقتها. وفي تجربة حضرتها شقيقتي شهيرة الباز في أرض الجزيرة بالسودان لفلاح مصري كان هناك يزرع القطن وفي نهاية الموسم بعد جمع القطن وزن الفلاح قطنه فكان 13 قنطارا وباقي الفلاحين السودانيين كان انتاجهم من 8: 9 قناطير فقالوا الفلاح المصري يغش في الميزان ولكنهم وزنوا ولم يجدوا غشا علي الاطلاق ثم قالوا هو يشتري من الجمعية الزراعية ليصبح انتاجه أعلي وبحثوا وبحثوا ولم يجد إلا أن الفلاح المصري الذي يعيش في جو السودان القائظ يصبح من الفجر منكفئا علي ارضه يسوي هذا وينقي هذا ويفتح الري هنا ويغلق هناك غير هياب لشدة الحرارة عند الظهر يجلس تحت الشجرة ليأكل كسرة خبز وبصل ثم يعاود العمل حتي الغروب ولكن الاخوة السودانيين كانوا يوالون الزرع وحينما تشتد الحرارة عند الثانية عشرة ظهرا يتركون الارض حتي اليوم التالي وهكذا يعيش المصريون الطبيب في عيادته والجندي في سريته والعامل في مصنعه يبيع وينتج ولكن لعل خللا اصاب كيمياء المصريين فهزم هذا الذكاء وهدد هذا الابداع.. في معبد اسنا ادوات الجراحة الشديدة الدقة وعند لفائف احدي الجثث اكتشف العلماء وجود عملية جراحية في العمود الفقري!! حتي الآن عبقرية المصريين موجودة ولم تتراجع عند الكثيرين ولكننا فقدنا القدرة علي استثمار رصيدنا من البشر هذا الرصيد الذي فقد بعضا من نوعيته ولكن لن ينتهي هذا الاحتياطي الذي تزيد قيمته عن احتياطي أي دولة من الذهب والبترول والحديد والفضة.. هل ننتبه لهذا الرصيد الذي يختفي تحت تعليم فاسد ولم نفكر في لجنة دائمة لاصلاح التعليم.. إن مصر البشر تنادينا بفتح هذا الكنز.. فهل نفتحه.