بدر محمد بدر كان هناك تجاوب واضح من جمهور التيار الإسلامي، الذي بدأت أعداده تتزايد بكثرة، وتظهر في المجتمع المصري منذ منتصف عقد الثمانينيات، مع هذا النوع الجاد والراقي من الفن المسرحي، الذي يحترم عقلية وقيم المشاهد، ويقدم له في نفس الوقت الفن الجميل والهادف، الذي يخلو من الكلمات المسفة، والحركات الخادشة للحياء، والنكات البذيئة، ويقدم في الوقت ذاته فكرا ورؤية في إطار فني جميل ومشوق. كان مجتمع الإسلاميين بحاجة إلي "البديل الفني الإسلامي"، الذي يمنح مشاهديه المتعة الفنية (السمعية والبصرية والذوقية)، والترفيه الراقي، ووضوح الرؤية السياسية والاجتماعية والإنسانية، لتعويض ما يرفضونه من ابتذال وسقوط أخلاقي وسلوكي وقيمي في بعض وسائل الإعلام والمسارح ودور السينما، ولقيت هذه الأعمال الفنية، علي الرغم من بساطة إمكانياتها وضعف الإنفاق عليها، نجاحا كبيرا وإقبالا جيدا. لكن سيطرة أجهزة أمن الدولة، والعقلية البوليسية التي كانت تدير الوطن في العهد البائد، علي كل منافذ العمل العام ومنها بالطبع النقابات المهنية، عوق كثيرا من نمو وتطور وانتشار الحركة الفنية المسرحية لفناني التيار الإسلامي، علي الرغم من ظهور مواهب متميزة وكفاءات واعدة في مجال الكتابة المسرحية، وفنون: التمثيل والديكور والملابس والإضاءة والخدع والمؤثرات الموسيقية والإخراج. وفي العامين الأخيرين انشغل الصديق الصحفي والكاتب المسرحي الأستاذ علي الغريب بالموضوع، وضرورة نهضته وإحياء تراث الرعيل الأول من المسرحيين الإسلاميين، ودارت بيننا حوارات عديدة بهذا الخصوص، أسفرت عن قراره بالتفرغ لإنشاء فرقة مسرحية تهتم بالبحث عن وأداء النصوص الاجتماعية والإسلامية الهادفة، وقام بالفعل بإشهار وتسجيل جمعية لهواة الفن المسرحي، ودعاني قبل عدة أشهر إلي حضور أول عروض فرقته المسرحية الجديدة، علي مسرح "الهوسابير" بوسط القاهرة. وأعتقد أن الأجواء الآن تغيرت إلي الأفضل، والفرصة أصبحت متاحة بعد ثورة يناير، للانطلاق مجددا في مجال إحياء فن المسرح الإسلامي الهادف، وتجديد هذا التراث العريق، وبناء مسرح اجتماعي وسياسي وترفيهي جاد، وإعداد كوادر وكفاءات فنية مدربة ومتخصصة، سواء في مجالات التأليف أو الإخراج أو الإنتاج أو التمثيل أو الديكور، وغيره من فنون المسرح. وهي دعوة أتمني أن تجد صداها الإيجابي لدي المهتمين بمجال الفن الهادف عموما، وأن نجد من بين شباب الإسلاميين من يسعي بجد، عن وعي والتزام ورؤية وموهبة فنية، للالتحاق بمعاهد وأكاديميات فنون: التمثيل والإخراج والتصوير والنقد المسرحي والسينمائي وغيرها، وأتمني أيضا أن تنشأ عشرات الفرق المسرحية الجادة، سواء المحلية أو المركزية، لتسد هذا الفراغ الفني الذي نحتاجه، وتشارك في تنمية الوعي العام، وتحقيق المتعة الفنية في نفس الوقت. أعتقد أن المؤمنين بالفكرة الإسلامية تأخروا كثيرا في إعداد وتكوين ودعم الفنان المسلم الملتزم، الذي يقدم النموذج الصحيح لرؤية الإسلاميين للفن ودوره في بناء المجتمع .. صحيح كانت هناك ظروف وأعذار ومشكلات وعوائق كثيرة منذ أكثر من نصف قرن، ولكنها بفضل الله تعالي زالت الآن أو أوشكت، وعلينا ألا نقف مكتوفي الأيدي في هذا الميدان المؤثر. نحن إذن بحاجة ماسة إلي أن يفهم الفنان المسلم القيم العليا التي نادي بها الإسلام العظيم، وكيف يمكن توظيف هذا الفن في خدمة هذه القيم العليا، مثلما أننا بحاجة أيضا إلي أن يفهم الدعاة والوعاظ وأبناء التيار الإسلامي، الدور المهم والخطير والمؤثر، الذي يقوم به العاملون في المجال الفني، في تغيير الأفكار والثقافات والاتجاهات، وكيفية إقامة جسر واسع من المحبة والثقة والتكامل بين الطرفين، وبهذا أعتقد أن فكرتي ورؤيتي قد اكتملت.