بالأمس.. كشف الدكتور وحيد عبدالمجيد المتحدث الرسمي باسم الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور عن المشاكل الحقيقية التي تواجه التأسيسية، منتقداً في الوقت نفسه الأصوات التي تطالب بإعادة تشكيل الجمعية، أو أن يحل بعض الأعضاء من التيارات الليبرالية واليسارية محل الاسلامية، قائلاً: "في حالة اعادة التشكيل سينفرد رئيس الجمهورية بالتشكيل الجديد وفق الإعلان الدستوري". وأضاف د. وحيد عبدالمجيد منبهاً إلي أن الخلل الجوهري ليس في تيارات المشاركين في عضويتها، لكن المشكلة الأساسية في أن الكثير من المنتمين للتيارات الليبرالية واليسارية ليست معنية بموضوع الدستور، ولا تتابع ما تقوم به الجمعية، ولا تعرف المشاكل الحقيقية التي تواجه هذه الجمعية. ما قاله المتحدث الرسمي باسم تأسيسية إعداد الدستور المنتظر لا مبالغة فيه ولا افتراء به علي تلك الأصوات الليبرالية واليسارية التي تفرغ أصحابها للهجوم علي الجمعية نتيجة ما يُُسمع ويُقرأ من أخبار وتوقعات وشائعات تنسب للتأسيسية بعضها واقع ومعظمها لم يناقش أصلاً، أو لم يتفق عليه بعد (..). أنا مثلاً لست متفائلاً بدستور يأتي متفقاً مع كل أطياف المصريين، وكثيراً ما أكدت تشاؤمي في مقالات سابقة مما نسمعه ونقرأه منسوباً للجمعية التأسيسية وأراه مخالفاً لكل الدساتير العريقة التي نعرفها ويستحق الشعب المصري الأكثر عراقة واحدا منها. وأعترف اليوم بعد تصريحات الزميل الأستاذ وحيد عبدالمجيد في "الأهرام" أمس بأن تشاؤمي كان مبالغاً فيه، تأسيساً علي ما كشفه المتحدث الرسمي للتأسيسية قائلاً: " عندما كنا نطلع بعضهم علي مايحدث، و ما لا يحدث، داخل أروقة التأسيسية نجد أنهم لم تكن لديهم أي معرفة، ورغم ذلك أخذوا موقفا دفعهم للانصراف عن متابعة المعركة التي يخوضها أنصار الدولة المدنية داخل التأسيسية والقضايا التي يواجهونها"! والأمثلة علي ذلك كثيرة، متعددة، و منها: كشف د. وحيد عبدالمجيد عن أن "جميع الأمور الخلافية لازالت عالقة ولم تحل. وهو ما أحدث ارتباكاً أدي الي وجود مشاكل أساسية في مواد باب الحقوق والحريات. وأن مواد حريات الصحافة والإعلام والمرأة تحتاج الي مراجعة لأنها غير معبرة للحد الأدني عن الحريات وإذا أصدر الدستور بهذا الشكل سيكون أسوأ دستور في الحريات". ليس هذا فقط.. بل أضاف د. عبدالمجيد قائلاً: " ان القراءة الأولية لنصوص هذا الباب كشفت عن عدم وجود مادة تنص علي كفالة الدولة لاستقلال الصحافة ووسائل الإعلام المكفولة من الدولة وأن تكون منابر حرة للحوار الوطني، وأن تكون لجميع الاتجاهات (..). وهناك أيضا مواد تم تعديلها خاصة بحريات الإعلام لم تدرجها اللجنة في صياغتها الأولية(..) وهناك مشاكل في طبيعة العلاقة بين الدولة والدين : خاصة في مواد مرجعية الأزهر، والمساس بالذات الالهية، وإنشاء مؤسسة الزكاة". ولم يبخل علينا د. عبدالمجيد برأيه الشخصي الذي يتفق مع رأي الكثيرين في هذه المواد قائلاً: " أرفض فكرة المرجعية للأزهر، لأنها تعيد للأذهان السلطة الدينية.. مثل مثيلتها في إيران". وعن المساس بالذات الإلهية.. يري د. وحيد عبدالمجيد أن هذا النص ليس مكانه الدستور. فقانون العقوبات يُجرم المساس بالذات الالهية، ولا يوجد أي مبرر لوضع هذه المادة". كما وصف المتحدث باسم التأسيسية المادة المقترحة بقيام "مؤسسة الزكاة"، بالعبث لأن الزكاة أصل من أصول الدين ولا يجب وضعها في الدستور لأن هذا له عواقب سلبية علي الدستور نفسه، ولا يجوز تدخل الدستور في أصل من أصول الدين. هذه المشاكل والأزمات التي تعيق تقدم أداء "التأسيسية"، كما أشار إلي بعضها المتحدث الرسمي باسمها، ذكرتني بما حدث في تونس أول دولة عربية في قائمة دول الربيع العربي التي عانت ما نعانيه في مصر الآن، وكيف أن تياراتها الليبرالية لم تكتف بإبداء رفضها لمعظم اقتراحات لجنة إعلان الدستور التونسي الجديد كما تفعل تياراتنا المشابهة في مصر وإنما سارعت من جانبها إلي تقديم وثيقة رائعة لمعني الدستور العصري، المدني، الذي يجمع ولا يفرق. .. و للحديث بقية.