لا ينبغي الاطمئنان لحالة الرضا التي تبديها بعض أصوات الإدارة الأمريكية تجاه تطور الأحداث في مصر، بعد أن تدخل بعضها بطريقة وقحة خلال الانتخابات الرئاسية. فكلنا يعرف أن الرضا والغضب عند واشنطون مرهون بالمصلحة الأمريكية وحدها، وبالضمانات التي تأخذها لهذه المصالح وفي مقدمتها »ضمان الالتزام بالاتفاقيات السابقة بين مصر وإسرائيل، واستمرار السياسات الاقتصادية، كما كانت قبل الثورة!! ما يهمنا الآن هو أن توضع أي التزامات تلقتها واشنطون من أي طرف في مصر أمام السلطات المسئولة كاملة وأمام الرأي العام، حتي يمكن تقدير الموقف تقديرا كاملا، وحتي نعرف حدود العلاقة مع أمريكا وكيف تحقق المصالح الوطنية لمصر قبل أي شئ آخر!! نقول ذلك وأمامنا تطورات مهمة في هذا الملف لابد من التعامل معها بجدية، فقد بدأ اللوبي الصهيوني المؤثر داخل الكونجرس في التحرك، وبدأت أصوات فيه تحذر من خطورة التطورات الأخيرة في مصر »التي رحبت بها الإدارة الأمريكية نفسها!!« وهو حديث تعودنا عليه في السنوات الأخيرة، ولكنه هذه المرة ليس بعيدا عن تطورات مهمة في إسرائيل التي يهيمن أنصارها علي الكونجرس الأمريكي بشكل مطلق. في إسرائيل كان الحديث طوال الشهور الماضية عن الأوضاع في سيناء وعن ضرورة مواجهة الخطر القادم من الجبهة المصرية إن عاجلا أو آجلا. ومع الإسراع في بناء السور الفاصل علي الحدود، بدأ دفع القوات الاسرائيلية وتم الاعلان مؤخرا عن تخصيص خمسة مليارات دولار لتعزيز الوجود العسكري علي الجبهة مع مصر. لكن التطور الأخطر هو إعادة مفهوم »قيادة العمق« كما يسمونها هناك. والمقصود إعادة الحيوية للقيادة العسكرية الاسرائيلية التي كانت مسئولة عن العمليات الخارجية داخل الدولة »المعادية« والتي كانت قد ألغيت منذ ثلاثين سنة في أعقاب كامب ديفيد واتفاقية السلام.. أو هكذا قيل!! الغطاء الذي قيل لتبرير عودة هذه القيادة العسكرية للعمل هو الصراع مع إيران. لكن المسئولين والمحللين العسكريين الإسرائيليين يتحدثون الآن بصراحة عن أن هذه القيادة ستعمل في مصر وسيناء »!!« وأنها ستكون مسئولة عن التعامل مع التهريب، واختراق الدول »المعادية« وتشكيل شبكات للتخريب داخل هذه الدول. أثق في قدرة قواتنا المسلحة وأجهزة الأمن القومي في التعامل مع هذه التحديات، ولكن علينا جميعا ان نساعد وأن نستعد، وان ندرك ان كل خطوة نخطوها علي الطريق الصحيح لإعادة بناء مصر القوية الحديثة، لن يسعد القوي التي تري مصلحتها في بقاء مصر بلا دور ولا مكانة، والتي تدرك يوما بعد يوم مدي خسارتها حين فقدت بسقوط النظام السابق.. »كنزها الاستراتيجي« الذي لا يعوض!!